[ سِلسلة الأدلّة العقلية والعِلمية التي تُثبت وجود الله سبحانه وتعالى ] ⇐ إثبات أن أهل الجنة سوف يَرَوْن الله بدون أن يُحيطوا بوجوده سبحانه وتعالى :
* في البداية يجب أن أشرح كيفية رؤية الإنسان لمخلوق أخر :
– عندما ترى أمامك شخص واقف ، فهذا يعني أن هناك أشعة ضوء خرجت بطريقة مُعَيّنة من ذلك الشخص الواقف ، وهذه الأشعة دخلت في عينك ، فسبّبَت تَغيُّرات داخل مُكوّنات عينك ، فشعرت أنت برؤية شخص واقف ، يعني أدركت صورة شخص واقف ،، ولذلك فإن الرؤية هي نوع من أنواع الإدراك .
يعني هناك ( رائِي ) وهو أنت ،، وهناك ( مَرئِي ) وهو ذلك الشخص الواقف ،، وهناك ( رؤية ) وهي إدراك وجود شخص واقف .
وطبعاً فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق ذلك الإدراك .
– وعندما يجلس ذلك الشخص الذي كان واقفاً ، فإن هناك أشعة أخرى تخرج منه بطريقة مختلفة عن الأشعة السابقة ، وهذه الأشعة الأخرى تدخل في عينك وتسبب تغيرات داخل مُكوّنات عينك ، ولكن هذه التغيرات تختلف عن التغيرات السابقة ، ولذلك تشعر أنت برؤية مختلفة عن الرؤية السابقة ، يعني تشعر برؤية شخص جالس وليس واقف .
وهنا حدث تغيير في ( الرؤية ) بسبب تغيير في ( المَرئِي ) أدى إلى تغيير في ( الرّائِي ) .
وتغيير الرؤية يعني تغيير الإدراك ، يعني هذه المرة حدث إدراك مختلف عن الإدراك السابق ، وأيضاً فإن الله هو الذي خلق ذلك الإدراك المختلف .
وفي كلتا الحالتين فإن الرؤية تمت بواسطة أشعة الضوء ،، يعني الله خلق إدراك بواسطة أشعة ضوء .
– لكن أحياناً تحدث رؤية بدون واسطة ، يعني بدون أشعة ضوء ،، وذلك أثناء الأحلام ، حيث تحدث تغيرات داخل خلايا ( الرّائي ) ، بدون أشعة ضوء ،، ولذلك قد تشعر أثناء نومك برؤية شجرة مثلاً ، بدون أن يكون هناك شجرة أمامك أصلاً .
وهنا عندنا ( رائِي ) وهو أنت ،، وعندنا ( رؤية ) وهي إدراك وجود شجرة ،، لكن ليس عندنا ( مَرئِي ) لأنه ليس هناك شجرة أمامك أصلاً .
وفي هذه الحالة حدث إدراك ، بدون واسطة ، يعني بدون أشعة ضوء ،، يعني الله خلق إدراك بدون واسطة ، يعني خلق إدراك بدون أشعة ضوء .
ونفس طريقة الرؤية التي حدثت أثناء النوم قد تحدث أثناء اليقظة ، وفي هذه الحالة نسميها ( هَلاوِس ) .
* الكلام السابق يحدث عندما يرى الإنسان مخلوقاً أخر ،، لكن عندما يرى الإنسان ربه عَزّ وجلّ فإن الأمور تختلف ، كما سنشرح فيما يأتي :
– هناك حديث صحيح في البخاري ومسلم ،، معناه أن أهل الجنة سوف يَرَوْن ربهم بوضوح كما يَرَوْن القمر بوضوح ،، وطبعاً نحن نعرف أن الشخص الذي يرى القمر بعينه المُجَرّدة فإنه يراه بوضوح ،، والشخص الذي يرى القمر بالمنظار المقرّب ( التليسكوب ) فإنه أيضاً يرى القمر بوضوح ، ولكن بوضوح أكثر .
يعني كلاهما رأى القمر بوضوح مع اختلاف درجة الوضوح .
– ونحن نعرف أن رؤية الله هي ( نعيم ) .
ونعرف أن أهل الجنة لهم درجات نعيم مختلفة ، ونعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم يحصل على درجة نعيم عالية .
وهذا يعني أن رؤية الله هي درجات مختلفة ، وليست متساوية عند كل أهل الجنة .
يعني النبي يدرك وجود الله ، وأيضاً الله يدرك وجود ذاته .
يعني المخلوق له إدراك ، والإله له إدراك ،، لكن الإله له أعلى درجة إدراك .
يعني إدراك المخلوق لله يختلف عن إدراك الله لذاته ، لأن المخلوق له إدراك محدود ، لكن الإله له إدراك غير محدود .
ولذلك فإن النبي صلي الله عليه وسلم سوف يرى الله في الجنة ،، وأنت إذا دخلت الجنة سوف ترى الله أيضاً ،، ولكن الرؤية تختلف في الحالتين ، مع أن المَرئِي واحد ولا يتغير ، وهو الله سبحانه وتعالى ،، وهذا يعني أن تغيير الرؤية يحدث نتيجة تغيير في الرائي ، وليس نتيجة تغيير في المرئي .
– يعني الله يخلق تغيرات داخل عين النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلق تغيرات مختلفة داخل عينك أنت .
وهذه التغيرات تتم بدون أشعة ضوء .
يعني الله يخلق إدراك في أهل الجنة بدون أشعة ضوء .
ولذلك يَرَوْن ربهم بأعينهم ، بدون أن يوجهوا أعينهم إلى جهة مُعيّنة .
– يعني الله يخلق إدراك في عينك فتشعر بنعيم ،، ويخلق إدراك مختلف في عين النبي فيشعر بنعيم أكبر .
– والدليل على كلامي موجود في نفس الحديث ،، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه في يوم القيامة سوف ينادي منادٍ في الناس لكي تذهب كل طائفة وراء معبودهم الذي عبدوه في الدنيا ، يعني من كان يعبد الشمس سيذهب مع الشمس ، ومن كان يعبد الاصنام سوف يمشي وراء الأصنام ، وهكذا … ،، ثم يتبقي المؤمنون وبينهم المنافقون ، ويريد الله أن يختبر المؤمنين إذا كانوا سيتبعون أي أحد يقول لهم أنا إلهكم ، أم أنهم سيتبعون الله فقط ،، ولذلك يأتي الله إلى المؤمنين في صورة مختلفة عن صورته التي يعرفونه بها ، ويقول لهم أنا ربكم ، لكن المؤمنون سيرفضون أن يتبعوه ، لأنهم يظنون أنه ليس ربهم ،، ثم يأيتيهم الله في صورته التي يعرفونها ، فيتبعوه ، وبذلك ينجحوا في الإختبار .
معنى ذلك أن المؤمنين يرون الله في صورتين مختلفتين ،، وطبعاً نحن نعرف أنه لا يحدث تغيير في الذات الإلهية ، ونعرف أن الله لا يتجسد في صور مختلفة ،، لأن الله لا يتجسد أصلاً .
وهذا يعني أن الله يخلق أكثر من إدراك في أعين المؤمنين ، بدون أن يحتاج الله لتغيير ذاته ، وبدون أن يغير مكانه ، لأن الله موجود بلا مكان أصلاً .
* سؤال : إذا كان أهل الجنة يرون الله بدون أن يخرج من الله أشعة ضوء ، فهل معنى ذلك أن هذه الرؤية هي مثل الأحلام ؟
* الجواب : أهل الجنة يرون ربهم أثناء يقظتهم ، وليس أثناء نومهم ،، يعني هي رؤية يقظة وليست رؤية منام ، وليست أحلام .
* سؤال : هل معنى ذلك أنها رؤية هلاوس ؟
* الجواب : الهلاوس تحدث عندما ترى شيء غير موجود ،، لكن الله موجود ، ولذلك فإن رؤيته ليست هلاوس .
* النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( قمتُ منَ اللَّيلِ ، فتوضَّأتُ ، فصلَّيتُ ما قُدِّرَ لي ، فنعَستُ في صلاتي ، فاستثقلتُ ، فإذا أَنا بربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ ، فقال : يا مُحمَّدُ ،، قلتُ : ربِّ لبَّيكَ ،، قالَ : فيمَ يختصِمُ الملأُ الأعلى ؟ ،، قلت ُ: لا أدري ربِّ ،، قالَها ثلاثًا ،، قالَ : فرأيتُهُ وضعَ كفَّهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجدتُ بردَ أَناملِهِ بينَ ثدييَّ ، فتجلَّى لي كلُّ شيءٍ وعرَفتُ ، … ) يعني النبي رأى الله في المنام ، وشعر بلمس أصابع الله ،، وهذا لا يعني أن الله له أصابع بالمعنى الحرفي ، فإن الله ليس بجسم ، ولا يتركب من أعضاء ولا أجزاء ،، والنبي صلى الله عليه وسلم حدث له شعور حقيقي بلمس أصابع على صدره ،، و ( الله ) قادر على أن يجعل النبي يشعر بلمس أصابع بدون أن يكون لله أصابع بالمعنى الحرفي ،، كما أن الله قادر على أن يجعل النائم يرى شجرة في الحلم بدون أن يكون هناك شجرة أمامه .
* سؤال : طالما أن النبي عنده القدرة على الإحساس بلمس الأصابع بدون أن يكون هناك أصابع ، فهل معنى ذلك أن النبي عنده القدرة بأن يرى الإله بدون أن يكون هناك إله ؟
* الجواب : وجود هذه القدرة عند النبي هي دليل على وجود الإله ، لأن الإله هو الذي أعطاه تلك القدرة .
* وما ينطبق على الرؤية ، ينطبق أيضاً على السمع ، لأن السمع أيضاً هو وسيلة إدراك .
ونلاحظ أن يوم القيامة عبارة عن مراحل متعددة ، وفي مرحلة مُعيّنة سوف يكلم الله الكفار بكلام مؤلم وعنيف ، يعني يجعلهم يسمعون صوت مؤلم وعنيف جداً ، ونتيجة لذلك يشعرون بعذاب شديد بسبب سماع ذلك الصوت ،، والقرأن يقول ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
– وفي مرحلة أخرى سوف يترك الله الكفار ولا يكلمهم في يوم القيامة ، وهذا الترك سوف يجعلهم يشعرون باليأس والخيبة والضياع ، يعني يشعرون أيضاً بعذاب شديد ،، والقرأن يقول ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
– وسوف يكلم الله المؤمنين ، ولكن بكلام يُطمْئِنُهم ويجعلهم يشعرون بالأمان ،، يعني يجعلهم يسمعون صوت مُعيّن ، ويشعرون بالنعيم بسبب سماع ذلك الصوت .
* سؤال : أنت معترف بأن أهل الجنة سوف يرون ويسمعون الله ، فهل معنى ذلك أن المخلوق استطاع أن يحيط بالله ويَقدِر عليه ؟
* الجواب : الإحاطة بالوجود تقتضي إدراك كيفية ذلك الوجود .
– أهل الجنة يرون ويسمعون الله ، لكن لا يدركون كيفية وجود الله ، ولذلك لا يحيطون بوجود الله .
مثال : عندما أُغمض عينيّ وأسمع كلام أحد الأشخاص ، فأنا أستطيع فهم هذا الكلام ، وأستطيع ترديد هذا الكلام ، وأستطيع تحديد جهة صوت ومكان المتكلم ، وأستطيع معرفة سِنّ المتكلم إذا كان طفلاً أو عجوزاً ، لأن أحبال الصوت عند الطفل تُصدر نغمة صوت مختلفة عن العجوز ،، لذلك أنا أدركت الكلام ، يعني سمعته وفهمته ،، وأيضاً استطعت أن أُحيط بهذا الكلام ، لأنني أدركت كيفية هذا الكلام وطبيعته .
– الله سبحانه وتعالى لا يحتاج أحبال صوتية ولا لسان ، لذلك هو لا يتكلم بِلِسان ، بل يتكلم بذاته ، وكلامه واضح ، لذلك فإن سيدنا موسى سمع كلام الله بوضوح ، وفهم هذا الكلام ، يعني أدرك كلام الله ،، لكن سيدنا موسى لم يستطع تحديد جهة ومكان المتكلم ، لأن المتكلم هو الله الموجود بلا مكان ،، يعني موسى أدرك الكلام الذي سمعه ، لكنه لم يُحِط به لأنه لم يُدرِك كيفية وطبيعة هذا الكلام .
– القرأن يقول ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) يعني الأبصار لا تدرك كيفية وجود الله ،، لكنها يوم القيامة سوف تدرك وجود الله .
يعني الأبصار لا تحيط بوجود الله ،، لكنها سوف ترى وجود الله .
يعني الأبصار ليس عندها إدراك إحاطة بوجود الله ،، لكن عندها إدراك بوجود الله ،، يعني عندها إدراك بدون إحاطة .
يعني الآية تنفي الإدراك المحيط بوجود الله ،، لكنها لا تنفي الإدراك بوجود الله .
– وأهل الجنة يرون الله بوضوح لكن بدون إحاطة ،، يعني هى رؤية إدراك وليست رؤية إحاطة .
يعني هم يرون الذات الإلهية ، لكن بدون معرفة طبيعة وكيفية الذات الإلهية .
يعني إذا سألتهم : ماذا ترَوْن ؟ سيقولون نحن نرى الله .
وإذا سألتهم عن وصف الله ، فسيقولون أن الله جميل ، وأنهم لم يروا مثل هذا الجمال من قبل .
لكن إذا طلبت منهم أن يَصِفُوا هذا الجمال فلن يستطيعوا وصفه ،، وإذا سألتهم عن كيفية وجود الله ، سيقولون ( لا نعرف ) ،، وإذا سألتهم عن الجهة التي ينظرون نحوها فإنهم لن يُحددوا جهة مُعيّنة ، لأنه لا توجد جهة أصلاً ، لأن الله موجود بلا مكان أصلاً .
وإذا سألتهم عن طبيعة وكيفية الذات الإلهية ، سيقولون ( لا نعرف ) .
– اقرأ أيضاً [ إثبات أن السلَفيّين يُخالفون عقيدة السلَف الصالح : ]
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )