[ الرَّد على المجموعة الأولى من الشُّبهات ] ⇐ الرد على من يزعم بأن أبا حنيفة يسمح بزواج المَحارِم :
يقول أبو حنيفة ( ولا حَدّ على من تزوج أُمّه التي ولدته وابنته وأخته وجدته وعمته وخالته وبنت أخيه وبنت أخته عالِماً بقرابتهن منه عالماً بتحريمهن عليه ووطئهن كلهن ، فالولد لاحِقُ به ، والمهر واجبٌ لهن عليه ، وليس عليه إلا التّعزير دون الأربعين فقط ) . والتعزير هو الضرب والجَلْد .
يعني لو أن هناك شخص تزوج من أُمّه ، فإن أبا حنيفة يأمر بِجَلْد هذا الشخص ، لكن لا يُطبّق عليه حَدّ الرّجم .
وهنا سؤال يطرح نفسه : لماذا قام الشخص بعَقد الزواج إذا كان عالماً بالتحريم ، يعني لماذا لم يُعاشر أُمه بدون عَقد ، وماذا سيستفيد من العقد أصلاً ، طالما لا يهتم بأحكام الشرع ؟
ولاحِظ أن أبا حنيفة قال ( عالماً بتحريمهن ) ولم يقل ( عالماً بتحريم الزواج منهن ) .
معنى ذلك أن الشخص ظن أن التحريم يكون فقط قبل العقد ، و يزول التحريم بعد العقد ، يعني ظن أن عقد الزواج صحيح ،، لكن هذا الشخص يجهل أن عقد الزواج فى هذه الحالة هو عقد باطل أصلاً وكأنه لم يكن .
وطالما يوجد جهل ببعض أحكام الشريعة فلا يستحق هذا الشخص إقامة الحد ، لكن يستحق العقاب على تقصيره فى طلب العلم الضروري ، ولذلك حكم عليه أبو حنيفة بالتعزير بالضرب والجلد مثلاً ،، ولو كان أبو حنيفة يسمح بزواج المحارم كما يقول الأغبياء ، لَمَا حكَم بأي عقاب أصلاً .
يعني أبو حنيفة يرفض إقامة الحد على من يتزوج بِأُمّه ،، لكن أبو حنيفة لا يقول بأن الزواج من الأم حلال .
لأن الفقهاء أحياناً يرفضون تطبيق الحد على الشخص الذي يفعل معصية ،، وهذا لا يعني أنهم يعتبرون فِعل الشخص حلال ، ولا يعني التقليل من قدر تلك المعصية ،، فإن هناك معاصي أخطر من الزنا ، ومع ذلك لا يتم تطبيق الحد عليها ، مثل معصية التكبر على الناس ،، فإن الله يكره الشخص المتكبر أكثر من كُرهه للشخص الزانِي .
– ومن الأشياء التى تُثْبِت أن الشخص كان يظن فعلاً أن هذا الزواج صحيح هو قيامه بدفع المهر ، لذلك إذا لم يقم الشخص بدفع المهر فهذا دليل على أنه يعلم بُطلان هذا الزواج ولم يكن جاهلاً بحُكم هذا الزواج .
وأبو حنيفة اشترط دفع الشخص للمهر في إصدار فتواه ، مما يدل على أنه فعلاً بَنَى فتواه باعتبار أن الشخص يجهل بُطلان الزواج .
يعني الشخص علِم بتحريم المعاشرة قبل الزواج ، ولم يعلم بتحريم المعاشرة أيضا بعد الزواج ، لأنه يجهل بُطلان هذا الزواج ،، لذلك عقَد العقد و دفَع المهر .
وقال أبو حنيفة بأن الولد لاحِق بهذا الشخص ليتحمل مسؤولية الإنفاق عليه . وإذا لم يتحمل هذا الشخص مسؤولية الولد ، فمن سيتحملها ؟ !
– وهناك أية صريحة فى القرأن تقول ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ ) .
لذلك فإن الغبي الذى يزعم بأن أبا حنيفة يسمح بزواج المحارم ، يجب عليه أولاً أن يُقنعنا بأن الإمام الأكبر أبا حنيفة لم يقرأ هذه الأية ولا مرة فى حياته .
– معنى ذلك أن أبا حنيفة بَنَى رأيه باعتبار أن الشخص يجهل بعض أحكام الشريعة ،، لكن بقية جمهور الفقهاء قرروا إقامة الحد ، باعتبار أن الشخص يتظاهر بالجهل مع أنه غير جاهل ، واستبعدوا جهله بشيء معروف ومشهور عند الناس .
يعنى الإختلاف بين أبى حنيفة وبين العلماء هو فى كوْن الشخص يعلم بالحُرمة بعد الزواج أيضاً ، أم لا يعلم .
وهذا الإختلاف يدل على ميزة فى الجهتين ، لأنه أنتَج فتاوى تَصلُح لجميع الحالات المعتادة والنادرة أيضاً ،، فمن المعتاد أن الإنسان يسكن وسط مجتمع ، لكن من النادر أن يسكن فى منطقة منعزلة كالغابات مثلاً ،، يعني إذا قام شخص من سكان المدينة والقرية بالزواج من أمه ، وادّعَى جهله بالحكم ، فإننا لن نصدقه ، ويستحق الحد طبقاً لقول جمهور العلماء ،، لكن إذا قام شخص من سكان المناطق المنعزلة بالزواج من أمه وقال أنه يجهل الحكم ، فإننا سنُحسن الظن به لأن ظروفه تُرجّح ذلك ، ولن نقيم عليه الحد ، لكن نعاقبه على التقصير فى طلب العلم الضروري للدين ، طبقاً لقول أبى حنيفة.
* وذات مرة أَصدَر النبي – صلى الله عليه وسلم – أمراً للصحابة بالإسراع لمحاربة يهود بَنِي قُريظة الخائنين وقال ( لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ ) ، فأَذَّن العصر وهم في طريقهم إلى بنِي قُريظة ، فقام بعض الصحابة بتأجيل الصلاة حتى يدخلوا بنِي قريظة ، وقام بقية الصحابة بتأدية الصلاة في الحال قبل أن يدخلوا بني قريظة ، وقالوا أن النبي كان يقصد الإسراع في الذهاب إلى بني قريظة ولم يقصد الأمر بالصلاة في بني قريظة بالمعنى الحرفي ،، يعني الصحابة اختلفوا فى فهم طريقة تنفيذ أمر النبي ، وذهبوا للنبي ليوضح لهم مَن على صواب ومَن على خطأ ، فأخبرهم النبي أنهم جميعاً على صواب طالما اختلفوا فى الوسيلة فقط ولم يختلفوا على الهدف نفسه ، لأن الوسائل تتغير حسب تغيُّر الظروف ، يعني هذا النوع من الإختلاف مطلوب لإنتاج أراء تُناسب جميع الظروف .
ولا يوجد شخص يعرف كل علم الشريعة إلا النبي ،، وكل شخص بعد ذلك يعرف فقط جزء من الشريعة بحيث إذا جمعنا الأجزاء التى عند جميع العلماء الموثوقين، يَنتُج لنا عِلم كامل للشريعة يشمل جميع الحالات المعتادة والنادرة .
يعنى الإسلام هو الذى أمرنا بعدم الأخذ برأى فقيه واحد فقط ، مهما بلغ علمه ، بل لابد من تجميع أراء العلماء الموثوقين كلهم وتطبيق الرأى المناسب فى الظرف المناسب ، ولذلك نحن نُسمَّى ( أهل السُّنّة والجماعة ) .
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )