[ الرَّد على المجموعة الثانية من الشُّبهات ] ⇐ الرّد على الأشخاص الذين يُخطِئون في تفسير كلام الفقهاء بخصوص مُدّة الحَمْل في الإسلام :
– المُعتاد والمعروف بين جميع الناس هو أن مُدة الحَمْل تِسعة أشهُر ، لذلك لو أن امرأة ولدَت بعد زواجها بستة أشهر فإن الناس كانوا يتهموها بأنها حملت قبل الزواج ،، والقرأن أراد أن يُضيف معلومة غائبة عن كثير من الناس وهي أن مدة الحمل ليست ثابتة عند جميع النساء ، وقد تلد المرأة بعد ستة أشهر فقط من الحمل ، فقال القرأن ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) يعنى فِطامه في عامين ، ويقول أيضاً ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) يعني مدة الحمل مع مدة الفطام عامين ونصف ، وبالتالي تكُون أقصَر مدة للحمل هي ستة أشهر ، وفعلاً الطب الحديث أثبت صحة كلام القرأن .
– والأئمة الأربعة يَحفظون القرأن عن ظهْر قلْب ، ويَعلمون قاعدة ( لا اجتهاد مع النص ) ، والقرأن حدّدَ أقصر مدة للحمل ، لذلك لم يجتهدوا في المدة الأقصَر للحمل ،، لكن القرأن لم يحدد المدة الأطول للحمل ، لذلك اجتهَد الفقهاء لتحديد تلك المدة بناءاً على المعلومات التي يَحصلون عليها من النساء في عصرهم .
– وأحياناً تشعر المرأة المتزوجة بانتفاخ وحركة في البطن مع انقطاع الحيض ، فتظن أن ذلك بسبب حدوث حمل ، بينما الحقيقة أن ذلك بسبب اضطراب هرمونات وليس حمل حقيقي ، والطب الحديث يسميه [ حَمْل كاذب ] ، ثم بعد ذلك يحدث للزوجة حمل حقيقي وتحدُث ولادة ، فتَحسب الزوجة مدة الحمل من بداية الحمل الكاذب وليس من بداية الحمل الحقيقي ،، مما يؤدي إلى سوء فهْم بمدة حمل طويلة قد تصل سنتين أو أكثر .
– ومدة الحمل الكاذب تختلف من امرأة لأُخرى ، لذلك قام كل فقيه بتحديد المدة الأطول للحمل بناءاً على الكلام الذي سَمعه من نساء عصره ، وبالتالي حدّدَ كل فقيه مدة مختلفة عن الفقيه الآخَر ،، وفي نفس الوقت لم يجزم أيّ فقيه بأن مدته صحيحة مائة بالمائة ، بل اعترفوا أنها مدة غير دقيقة وقالوا أنهم حدَّدوا تلك المدة بناءاً على المعلومات المتوفرة في عصرهم ، ولذلك يأخذون بها حتى ظهور معلومات جديدة ، وهذا يُسمّى ( اجتهاد في الرأْي ) بدليل أن الشافعي قال ( صَنَّفتُ هذه الكتب ، وما ألَوْتُ فيها جهدا ، وإني لأَعلمُ أن فيها الخطأ ، لأن الله تعالى يقول : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) .
يعني الفقهاء نَفْسهم تَوَقَّعوا ظهور أدلة جديدة بخصوص المدة الأطول للحمل ، مما يدل على أن خطأ المدة التي حددها الفقهاء ليس عيب في الفقهاء ، وليس نقص في الشريعة ، لأن الشريعة لم تَغْفل عن ذلك وأَمَرَت الفقهاء بأن يُغيّروا اجتهادهم عند ظهور أدلة جديدة .
– و النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأخذ العِلم مِن الوحي ،، ولكن النبي ليس خالداً في الدنيا ،، لذلك أحياناً كان النبي يَحكُم في القضية بناءاً على الأدلة المتوفرة وليس بناءاً على الوحي ، وذلك لِكَي يَضع قانوناً للفقهاء مِن بَعده عند الحكم في قضية مُعيّنة ، وهذا القانون هو أن الحُكم يعتمد على المعلومات المتوفرة عند القاضي ، ويجب تغيير الحكم عند ظهور معلومات جديدة ، وبذلك يكون الإسلام دين صالح لكل زمان ، لأن كل زمان يحتوي على معلومات مختلفة ،، لذلك قال النبي ( مَن حَلَفَ علَى يَمِينٍ ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها ، فَلْيَأْتِهَا ، وَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ ) ،، وقال أيضاً على سبيل تعليم وتدريب القضاة ( إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا ، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ) .
– يعني لو أن الإسلام منَع الإجتهاد في الفتاوى لَمَا أصبَح صالحاً لكل زمان .
والإجتهاد يَحتمل الصواب والخطأ ، والشريعة لم تَغفل عن هذا ، ولذلك عندما يحدث خطأ من أحد الفقهاء فإن بقية الفقهاء يُصححون هذا الخطأ ، يعني لو أَخذنا برأي فقيه واحد فقط فستصبح الشريعة ناقصة ، لكن عندما نضع أمامنا أقوال جميع الفقهاء المُعتبَرين فسوف يُصبح لَدَينا مَصدر كامل للشريعة .
– والإسلام وضع شروطاً قبل إقامة حد الزنا على الشخص ، وإذا غاب شرط واحد من هذه الشروط فلا يتم إقامة الحد حتى لا تُزهق روح الشخص ظُلماً ، لأن إفلات الزاني مِن العِقاب هو أفضل من إقامة الحد على شخص بريء ، فَلَئِن يُخطيء القاضي في العفو خيرٌ من أن يُخطئ في العقوبة .
– لو أن القاضي بِمُفرده شاهَد شخصاً وهو يزني ، فلا يصح أن يُقيم عليه الحد ، لأن الإسلام يمنع أن يحكم القاضي بِعِلْمه ، بل يجب أن يحكم بالأدلة ،، يعني لِكَي يتم إقامة حد الزنا فلابد مِن توافُر خمسة أشخاص هم القاضي وأربعة شهود بحيث لا يكون القاضي أحد هؤلاء الشهود ، لأن الإسلام لا يعتمد على شخص واحد عند إزهاق روح الزاني ، بل يجب تَوافُر خمسة أشخاص على الأقل حتى نكُون متأكدين من الحُكم .
معنى ذلك أن الإسلام يمنع إقامة الحد إلا بعد توافُر أدلة قطعية لا تَقبل الجدَل ،، وطالما كان هناك جدل بخصوص المدة الأطول للحمل في عصر الأئمة الأربعة ، فلا يصح إقامة الحد في عصرهم إذا طالت مدة الحمل .
لكن في عصرنا الحالي لا يوجد جدل في المدة الأطول للحمل ، لأن العِلم الحديث حسَم هذا الجدل ، وبالتالي نستطيع أن نُثْبت جريمة الزنا ونقيم الحد على الزانية والزاني .
وانظر ⇐ [ مفهوم خاطيء بخصوص تطبيق الحدود وتطبيق الشريعة ]
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )