[ الرَّد على المجموعة الأولى من الشُّبهات ] ⇐ الرّد على الأشخاص الذين يُفسّرون كل القرأن والأحاديث بالمعنى الحرفِي ويرفضون الكِناية :
* ( الكِنايَة ) هي أن تقول جملة بدون أن تقصد المعنى الحرفي منها ، ولكن تَقصد معنى الكِناية .
– مثال : عندما تقول ( يا فلان ساعِدني وأنا سوف أعطيك عَينَيّ ) هنا أنت لا تقصد أن تقلع عينيك وتعطيهما له ، بل تقصد أنك سوف تعطيه مكافأة على مساعدته لك ،، يعنى جملة ( سوف أعطيك عَينَيّ ) هى كِناية عن المكافأة ،، و فلان يَفهم قصدك الحقيقي ولذلك لن يقول لك ( أنا ساعَدتك وأنت كذبت ولم تقلع عينيك كما وعدتَني ) يعني أنت لم تكذب لأنك أصلاً لم تقصد المعنى الحرفي ، بل قصدت الكِناية ، وهو يفهم أنك تقصد الكناية .
وأيضاً عندما نقول ( الطقس كَشَّرَ عن أنيابه ) فهذا لا يعني أن الطقس له أنياب وأسنان بالمعنى الحرفِي ،، بل تلك الجملة كلّها على بعضها هي كِناية عن سُوء الطقس ، يعني الطقس أصبح سيّئ جداً ، يعني أصبح شديد الحرارة أو شديد البرودة .
– الكِناية هي إحدى أساليب اللغة العربية ، والقرأن نزل باللغة العربية ، لذلك فإن الكِناية موجودة في القرأن وفي الأحاديث .
– مثال : عندما نزلت آية ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) ظن أحد الصحابة أن الآية تقصد المعنى الحرفي وأحضَرَ حبل أبيض وحبل أسوَد ،، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وضّح له أن الخيط الأبيض والأسود هُما كِناية عن بياض النهار وسواد الليل ،، وهكذا تَعلّم ذلك الصحابي من النبي أن هناك آيات لا يَصِحّ تفسيرها بالمعنى الحرفي .
– مثال : القرأن يقول ( فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) ،، ولو فَسَّرنا هذه الآية بالمعنى الحرفي ، فسوف نظن أن النبي يَشُكّ في القرأن ، وطبعاً هذا مستحيل ، لأن الله يعرف أن النبي لا يَشُكّ في القرأن أبداً ،، ولذلك لا يَصِح أن نفسّر تلك الآية بالمعني الحرفي ، بل يجب أن نقول أن تلك الآية هي كِناية عن أن أهل الكتاب فعلاً يَجِدون أوصاف النبي محمد في كُتُبهم كما أخبَره القرأن ،، وذلك كما تقول الأُم لابنها ( إن كُنت ابني حقاً فيجب أن تُنفّذ تعليماتي ) وهُنا الأُم لا تَشُك في نَسَب ابنها ، بل هي قالت تلك العبارة لأنها متأكدة بأن الولد هو ابنها فِعلاً ، وأيضاً الله قال تلك الآية وهو يَعلم أن النبي لا يَشُكّ في القرأن ،، ونحن نعرف أن التوراة والإنجيل فيهما كثير من الآيات المُحرَّفة ولكن فيهما أيضاً بعض الأشياء الصحيحة .
– مثال : القرأن يقول عن الكفار ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) ،، و ( بَلْ ) هي حرف إضراب لِما قبلها وإثبات لِما بعدها ،، يعني تنفِي الكلام السابق وتُثْبت الكلام اللاحق ،، ولو قُمنا بتفسير الكلام السابق لِوَحدِه ، وتفسير الكلام اللاحق لوَحده فسوف نظن أن القرأن في البداية قال أن الكافر يَتساوَى مع الأنعام ، ثم بعد ذلك نفَى ذلك التساوِي وقال أن الكافر يزيد في الضلال عن الأنعام ،، وبالتالي نظن أن القرأن قال خبر غير صحيح ثم نَفاه وقال بعده الخبر الصحيح ،، لكن القرأن مستحيل يقول خبر غير صحيح ،، لذلك لا يصح أن نُفسّر الكلام السابق بِمَعزِل عن الكلام اللاحق ،، بل يجب أن نفسّر الكلام السابق واللاحق باعتبار أنهما مصطلح واحد بدون تقسيم ،، وهذا المصطلح هو كِناية ،، يعني جملة ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) هي كلّها على بعضها كِناية عن شِدّة ضلال الكفار ،، وذلك كما تقول الأم لابنها ( غُرفتك مثل الزّريبة ، بل أسوَءْ ) وهذه الجملة التي بين القوْسين كلّها على بعضها هي كِناية عن شِدّة قذارة الغرفة .
– مثال : هناك حديث صحيح في البخاري يقول ( الغُسْلُ يَومَ الجُمُعَةِ واجِبٌ علَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ) يعني على كل شخص وصل سِنّ الإحتلام حتى لو لم يحدث احتلام فى يوم الجمعة ،، ولكن هذا الحديث الصحيح ليس دليل على وجوب الإغتسال يوم الجمعة ، فقد ذهب جمهور العلماء من السلَف والخلَف وفقهاء الأمصار إلى أنه سُنّة مستحبّة وليس بِواجب ، وذلك بناءاً على بقيّة أقوال وأفعال النبي ، وفسَّروا كلمة ( واجب ) المذكورة فى الحديث على أنها ( كِناية ) عن أهمية الغُسل وليس عن وُجُوبه ، كما تقول أنت لصديقك ( زيارتك واجبة علينا ) وهذا دليل على أهمية الزيارة وليس على وجوبها .
لذلك يجب أن نعتمد على فهم العلماء عند تفسير كلام النبي ، لأن العلماء يستنبطون الدليل من جميع كلام النبي وليس من جُملة واحدة فقط من كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم ،، بينما المنافقون يأخذون جملة واحدة من كلام النبي ليفسروها بشكل خاطيء على هواهم .
– مثال : هناك حديث صحيح فى البخارى يقول أن السيّدة فاطمة قالت للنبي ( يَزعُم قوْمُك أنّك لا تَغضب لِبناتك ) والناس فعلاً تَكلّموا عن خِطبة ( علي بن أبى طالب ) لِبنت أبي جهل ، لكن لم يزعموا أن النبي لا يغضب لِبناته ،، والسيدة فاطمة لم تكذب عندما قالت تلك الجملة لأنها لم تقصد المعنى الحرفي ، بل قالتها كِناية عن الإستعطاف لِكَي يتعاطف النبي معها ويمنع زواج ( علي ) من بنت أبى جهل .
– مثال : السيدة عائشة قالت للنبي ( ألَستَ تَزعُم أنك رسول الله ؟ ) ولو افترضنا أن هذا الحديث صحيح فإن سؤالها لا يعني التشكيك في النّبوّة ، بل هو كِناية عن الإستعطاف ، لِكَي يتعاطف النبي معها أمام زوجته الأُخرى ،، يعني هي سألت سؤال تقريري وليس استنكارِي ،، مثل الطفل الذي يسأل أباه ( ألَستَ أنت أبِي فعلاً ؟ ) فَيَرُدّ الأب ( وهل عندك شَكُّ يا بُنَيّ ؟ ) فيقول الطفل ( لَو أنك أبِي حقاً فيجب أن تُعطِني حلْوَى ) ،، وهنا الطفل يستعطف أباه ليُعطيه حلوى ، لكن لا يشك في أُبُوّته ، ولو كان الطفل يشك في أُبُوّته .. لَمَا استعطفه أصلاً .
ونُلاحظ أن هذا الأسلوب في الإستعطاف يحدُث عندما يوجد عَشَم وموَدّة بين الأشخاص حتى لو كانوا كبار ، مِثْل الزوج وزوجته ، ومثل الصديق وصديقه .
– مثال : سيدنا أبو بكر الصدّيق قال لسيدنا عُمر بن الخطاب ( أجبّار في الجاهلية وخوّار في الإسلام ؟ ) ولو افترضنا أن الحديث صحيح فإن أبا بكر لم يقصد اتّهام عُمر بأنه جبان ،، بل قال ذلك الكلام كِناية عن الإستفزاز لِكَي يَغضب عُمر ويوافق على محاربة المُرتدّين في الحال ،، مِثل القائد العسكري الذي يقول لجنوده ( هل ستَهجمون على العدوّ أَم أنكم خائفون ؟ ) فيَغضب الجنود ويهجموا على العدوّ في الحال .
– مثال : هناك حديث صحيح في البخاري يَنُص على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للسيدة عائشة ( أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ ، رَأَيْتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ ، فَقُلتُ له : اكْشِفْ ، فَكَشَفَ فإذا هي أنْتِ ، فَقُلتُ : إنْ يَكُنْ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ ، فَقُلتُ : اكْشِفْ ، فَكَشَفَ ، فإذا هي أنْتِ ، فَقُلتُ : إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ . ) ،، و « سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ » يعني قِطعةٍ مِن حَريرٍ ،، وهذا الحديث يدُلّ على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى في المنام أحد الملائكة وهو يُبشّره بأنه سيتزوج السيدة عائشة ،، ورؤيا الأنبياء حق ،، يعني دائماً تتحقق ،، والنبي قال ( إنْ يَكُن هذا مِن عِندِ اللَّهِ .. يُمْضِهِ ) يعني ( إنْ تَكُن هذه إرادة الله فإن الله سوف يُمْضِي إرادته ويتم الزواج ) ،، وكلمة ( إِنْ يَكُن ) لو فسّرناها بالمعنى الحرفي فسوف نظن أن النبي يَشُكّ في رؤياه ،، وهذا مستحيل ،، فإن النبي لا يشك في رؤياه ، وهو قال كلمة ( إنْ يَكُنْ ) كِناية عن كلمة ( بِمَا أنّ ) أو ( طالَما ) ،، ويكون تقدير الكلام ( طالَما هذه إرادة الله فإن الله سوف يُمْضِي إرادته ويتم الزواج ) ،، وذلك كما يقول الرّجُل لشريكه في المصنع ( أنا أريد عمل بعض التغييرات في المصنع ) ،، فيَرُد عليه شريكه ويقول له ( إِنْ تكُن هذه رغْبتك فأنا موافق ) ،، يعني ( طالما هذه رغبتك فأنا موافق ) لأنه متأكد فعلاً أنها رغْبته ولا يشُك في ذلك .
ولذلك هناك كلمات لا يصح أن نفسّرها بالمعنى الحرفي ، بل يجب أن نأخذ بالكِناية .
– هناك بعض المشايخ المُتطرّفين يزعمون أن المتكلم الذي يستخدم الكِناية هو عاجز عن الكلام الصريح ، ويقولون طالما القرأن ليس عاجز فهو لا يحتاج للكِناية ،، ولذلك يُفسّرون جميع الآيات بالمعنى الحرفِي ويرفضون الكناية .
ونحن نرد على هؤلاء المشايخ بأن الكِناية هى دليل على البلاغة وليس دليل على العجز .
– وهؤلاء المشايخ يُسَمُّون أنفسهم ( سلفيّون ) بينما هم بعيدون عن منهج السلَف الصالح ، و قَريبون لمنهج الخوارج ، و يُشوّهون الإسلام .
– ونتيجة لتفكيرهم المقلوب ، فإن هؤلاء المشايخ يُفسرون آية ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) بالمعنى الحرفي ويزعمون أن الله له ( يد ) بالمعنى الحرفي ويَتركّب من أجزاء .
بينما نحن نقول أن تلك الآية هى كِناية عن مساعدة الله للمؤمنين ،، ونُنزّه الله عن التركيب والتجسيم والأعضاء ،، يعني أهل الجنة سوف يرَوْن الله ويُدركون أنه جميل ، لكنهم لن يستطيعوا وصف هذا الجمال .
– انظر مقالة [ إثبات أن السلَفيّين يُخالفون عقيدة السلَف الصالح : ] ومقالة [ إثبات أن أهل الجنة سوف يَرَوْن الله بدون أن يُحيطوا بوجوده سبحانه وتعالى ]
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )