[ الرَّد على المجموعة الأولى من الشُّبهات ] ⇐ الرّد على شُبهة تحريف القرأن ، واختلاف القراءات ، والناسخ والمنسوخ ، وحرق المصاحف ، وأكْل الداجن لصُحف القرأن :
* سؤال : مالذى يضمن صحة القرأن ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لا يقرأ ولا يكتب ؟
* الجواب :
– الأصل فى نقل القرأن هو السَّماع وليس الكتابة ، لأنه في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت حروف اللغة العربية غير مُنقّطة ، يعني مثلاً كان العرب يكتبون حرف ( ج ) وحرف ( خ ) مثل حرف ( ح ) بدون نُقطة ،، يعني كان الثلاثة حروف لهم نفس الشكل بالضبط ،، وبالتالي إذا قام شخص بقراءة الأية المكتوبة لأول مرة بدون سماعها من شخص أخر فسوف يقرأها بطريقة خاطئة ،، والعرب كانت لديهم ذاكرة قوية في الحِفظ ، لأنهم كانوا يحفظون قصائد الشعر الطويلة بكل سهولة بمجرد سماعها بدون الحاجة للقراءة والكتابة ،، والنبي أمَر بكتابة القرأن بهدف التوثيق والإسترشاد ومُساعدة الحُفّاظ فى القراءة .
– وكان هناك اختلاف بين قبائل العرب فى نُطق وكتابة بعض كلمات اللغة العربية ، مثلاً كلمة ( أَعطَي ) كانوا أحياناً ينطقوها ( أَنطي ) ،، وآية ( لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) كانوا أحياناً ينطقوها ( بِمُزَيطِر ) يعني حرف ( ص ) ينطقوه ( ز ) كما ننطق نحن كلمة ( يُصدِر ) فنقول ( يُزدِر ) ،،، وكلمة ( رحمة ) كانت أحياناً تُكتَب ( رحمت ) ،، ولكن كلها ضِمْن نِطاق وقواعد اللغة العربية المعروفة بين القبائل القديمة ،، والقرآن نزل باللغة العربية ، ولذلك فهو يشتمل على قراءات وكتابات مختلفة ، ولكن كلها ضِمن نِطاق اللغة العربية .
ولذلك فإن كلمة ( رحمت ) ليست خطأ لُغوي في القرأن كما يزعم الأغبياء ، بل كان هناك بعض قبائل العرب يكتبوها بتلك الطريقة ،، وبمرور الزمن ترَك العرب تلك الطريقة في الكتابة ، وأصبحوا يكتبوها ( رحمة ) فقط .
ولو كان هناك خطأ لُغوي واحد في القرأن كما يزعم الأغبياء ، لَقام كفار قريش باكتشافه في الحال ، ولكن هذا لم يحدث أبداً .
– الملاك جبريل هو أمين الوحي الذي كان يبلغ النبي بالقرأن المنزل من الله ،، وأحياناً كان جبريل ينطق نفس الآية الواحدة بأكثر من طريقة مختلفة ، وأحياناً كانت القراءات المختلفة تحمل معاني مختلفة ، ولكن كلها معاني صحيحة ومقصودة من الله عزّ وجلّ ،، وطالما هذه القراءات نطقها جبريل ، فهذا دليل على أنها ( قُرآن ) ،، ولا يَصِحُّ قراءة القرأن بطرُق أخرى غير التي نطقها جبريل ،، يعني طريقة نُطق القرأن هي توْقيفية على نفس القراءات التى نطقها جبريل .
– الله سبحانه وتعالى أراد أن يتم كتابة كلمات القرأن بطريقة مُعيّنة ، و الله قادر على التحكم فى أيدي الصحابة بحيث يكتبون بهذه الطريقة بشرط أن تتم الكتابة فى حضرة النبي ، ولذلك فإن رسم كلمات القرأن توْقيفي ولا يجُوز تغييره ، يعنى كلمة ( الرحمن ) لا يجوز أن تُكتَب ( الرحمان ) .
– النبي صلى الله عليه وسلم كان أُمِّياً ولا يَكتُب ، ولكن مجرد كتابة القرأن فى حضرته فإن هذا دليل على صِحّة الكتابة وِفْق مُراد الله ، ولو حدث خطأ في الكتابة كان جبريل سيُبَلّغ النبي ،، وكذلك بقية الصحابة كانوا سيكتشفون اختلاف بين الذي سمعوه من النبي وبين الكلام الخطأ المكتوب ، وكانوا سيُبَلّغُون النبى بذلك .
– الله أنزل القرأن على قوم يعيشون فى الصحراء ولا يهتمون بالقراءة والكتابة ، حتى لا يقال أن الإسلام جاء من مصدر بَشَرِي .
* سؤال : أين النسخة الأصلية من القرأن فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
* الجواب :
– القرأن لم ينزل مرة واحدة ، بل كانت الآيات تنزل منفصلة على حسب الأحداث والظروف خلال 23 عام .
– وفى عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يكتبون القرأن على جريد النخل والجلود والحجارة العريضة وبعض الصُّحُف ، مُباشرة أمام النبي الأُمّي الذى لا يكتب ،، وكان النبي يقول لهم ضَعُوا هذه الآية فى سورة كذا بين آية كذا وآية كذا .
يعني الآيات الجديدة كان يتم كتابتها بين الآيات القديمة ، ولذلك فإن ترتيب الآيات في المصحف يختلف عن ترتيبها في النزول .
ولو أمَرهم النبي بكتابة القرأن في مصحف واحد ، فكانوا سيضطرون كل يوم لإلغاء المصحف القديم وكتابة مصحف جديد ،، لأن الآيات الجديدة كانت تنزل بشكل يومي تقريباً .
لذلك لم يأمرهم النبي بكتابة القرأن في مصحف واحد .
– وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انقطَع الوحي ، وتأكد الصحابة أنه لن تنزل آيات جديدة بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – ،، لذلك قام سيدنا أبوبكر الصديق بجمْع آيات القرأن فى مصحف واحد ، وكَلّف الصحابي زيد بن ثابت بهذه المهمة ، لأن زيد بن ثابت لديه ذاكرة قوية جداً وكان يحفظ القرأن عن ظهْر قلب .
ووضَع أبو بكر شروط مُعيّنة لزيد بن ثابت قبل تسجيل أي آية في المصحف ،، يعني لابد أن يشهد رَجُلان من الصحابة أنهما سَمِعا هذه الآية من النبي مباشرة ، وكذلك لابد أن يشهد رجُلان أن النسخة المكتوبة من الآية تمت كتابتها أمام النبي مباشرة ، وفى هذه الحالة فقط يتم تسجيل الأية فى المصحف .
– وبعد تسجيل كل الآيات ، بقِيَت آية واحدة في سورة الأحزاب وهي آية ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) وقد كان الصحابة يحفظونها ويقرأونها فى الصلاة ، ولكن لم يوجد إلا رجل واحد اسمه خُزيمة بن ثابت هو الذي شَهد بأن النسخة المكتوبة من الآية تمت كتابتها أمام النبي مباشرة ،، عِلْماً بأن هناك كثير من الصحابة استُشهدوا فى حروب الرِّدّة ،، وهذه تُعتبر مشكلة كبيرة لأنهم لن يَضعوا هذه الآية التى لا تنطبق عليها الشروط ، وبالتالي يُصبح المصحف ناقص آية ،، ولكن المشكلة تَم حلُّها عندما عرفوا أن شهادة خزيمة بن ثابت بالذات تَعْدِل شهادة رجُلين اثنين ، لأن النبي قد أعطاه هذه المِيزة دون بقية الصحابة ، وذلك بسبب قصة حدثت له مع النبي قبل وفاة النبي ،، انظر مقالة [ الرّد على من يُشبّهون شهادة الصحابي ( خُزَيمة بن ثابت ) بشهادة المنافقين في آية ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) ] ،، ولذلك قام الصحابة بالإكتفاء بشهادة خزيمة بن ثابت وكَتَبوا هذه الآية في المصحف ،، ونُلاحظ أن زيد بن ثابت ليس أخ لخزيمة بن ثابت ، بل هو تشابه أسماء فقط .
ويجب ملاحظة أن اسم ( خزيمة ) كان منتشر بين الأنصار ، وهناك آية في سورة التوبة كانت موجودة فقط عند رجل واحد هو ( أبو خزيمة ) أو ( خزيمة الأنصاري ) واسمه الحقيقي ( ابن أوس بن يزيد بن أصرم ) ، وهو شخص أخر غير ( خزيمة بن ثابت ) ،، وهذا كان في بداية جمع المصحف ، ثم بعد ذلك شهد عمر بن الخطاب أنه هو أيضاً سمع تلك الآية من النبي مباشرة ، ولذلك تم تسجيلها في المصحف .
يعني يجب عليك عدم التسرع في فهم الأحاديث والروايات ، لأن هناك تشابه أسماء وتشابه أحداث قد يؤدي إلى سوء الفهم ، ولذلك يجب عليك البحث جيداً حتى تفهم الأحاديث بشكل صحيح .
وإذا قرأت مثلاً حديثين في صحيح البخاري وشعرت أن بينهما تناقض ، فيجب أن تقرأ الكتاب الذي يشرح صحيح البخاري ، وهذا الكتاب هو ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري ) لابن حجر العسقلاني ، وساعتها سوف تعرف أنه لا يوجد تناقض بين الحديثين ،، كما أن الكتاب الذي يشرح صحيح مسلم هو كتاب ( المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) للإمام النووي .
* سؤال : هل كان أحد كتبة الوَحي يُحرّف القرأن ؟
* الجواب :
– الأصل فى نقل القرأن هو السماع وليس الكتابة ، وقد كانت الآية الواحدة يقوم بكتابتها أكثر من صحابي ، ويقرأها جميع الصحابة فى الصلاة ، وبالتالي لو أخطأ رجُل فى كتابة الآية فسَوف يَتِمّ كشْفه من بقية الصحابة فى الحال .
– ولقد جاء رجل نصراني إلى النبي وأعلن إسلامه وأصبح من كَتبة الوحي ، وبعد فترة ترَك الإسلام وذهب إلى قومه ، وزعَم أنه كتَب القرأن بطريقة خاطئة بينما كان يكتبه بطريقة صحيحة ، ولكنه أراد أن يُشكّك المسلمين فى القرأن ، فانتقم الله منه وأَماته ، وكُلّما دفنوه فى قبر كانت الأرض تلفظه خارج القبر ، فترَك الناس جثته على سطح الأرض حتى تَعفّنَت .
– وهناك قصة حدثت مع سيدنا عمر بن الخطاب تدل على أن الصحابة كانوا يكتشفون أي اختلاف في آيات القرأن ، وأيضاً تلك القصة تُخبرنا عن سبب وجود قراءات مختلفة للآيات ،، حيث أن سيدنا عُمَر بن الخطاب سمع سورة الفرقان من النبي – صلى الله عليه وسلم – ،، ثم بعد فترة سمع عُمَر بن الخطاب أحد الصحابة يقرأ سورة الفرقان بطريقة مختلفة عن التي يعرفها عُمَر ،، لذلك أمسك عُمَر ذلك الصحابي وذهب به للنبي ، فأخبرهما النبي أن كل منهما قراءته صحيحة ،، وهناك حديث صحيح في البخاري يروي تلك القصة ، حيث يقول عمر بن الخطاب ( سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ في حَيَاةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ ، فَإِذَا هو يَقْرَأُ علَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ في الصَّلَاةِ ، فَتَصَبَّرْتُ حتَّى سَلَّمَ ، فَلَبَّبْتُهُ برِدَائِهِ ، فَقُلتُ : مَن أقْرَأَكَ هذِه السُّورَةَ الَّتي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ ؟ ! قالَ : أقْرَأَنِيهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فَقُلتُ : كَذَبْتَ ؛ فإنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ أقْرَأَنِيهَا علَى غيرِ ما قَرَأْتَ ، فَانْطَلَقْتُ به أقُودُهُ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فَقُلتُ : إنِّي سَمِعْتُ هذا يَقْرَأُ بسُورَةِ الفُرْقَانِ علَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا ! فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أرْسِلْهُ ، اقْرَأْ يا هِشَامُ ، فَقَرَأَ عليه القِرَاءَةَ الَّتي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : كَذلكَ أُنْزِلَتْ ،، ثُمَّ قالَ : اقْرَأْ يا عُمَرُ ، فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتي أقْرَأَنِي ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : كَذلكَ أُنْزِلَتْ ؛ إنَّ هذا القُرْآنَ أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ ، فَاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ منه . )
* سؤال : ما سبب تبديل بعض أحكام الشريعة ، مع أن القرأن يقول ( لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ) ،، وما هو الناسخ والمنسوخ ؟
* الجواب :
هناك فرق بين العقيدة وبين الشريعة ،، فإن عقيدة جميع الأنبياء واحدة ، لكن شرائع الأنبياء قد تتشابه وقد تختلف فى أحكام مُعيّنة .
فالعقيدة ثابتة ولا تتغير ، وهى تشمل الإيمان بوجود الله الواحد الأحد ،، لكن الشريعة أحياناً قد تتغير لتَتناسَب مع اختلاف ظروف البشر ،، والشريعة تشمل الأوامر الصادرة من الله إلى المخلوق ، ولو كانت هذه الأوامر ثابتة فقد يظن البعض أن الموضوع عبارة عن ( ميكانيكا ) وأن الله يحتاج منّا أن نُنفّذ هذه الأوامر لكى يستجيب لنا ، وهذا تفكير خاطئ تماماً ، وسأذكر مثال للتوضيح :
لَوْ افترضنا وجود جهاز كهربائي مُبرمَج بحيث يستجيب عند الضغط عليه خمسين مرة ، فمعنى ذلك أنه لن يستجيب إذا ضغطت عليه خمس مرات فقط ، لأنه يحتاج خمسين ضغطة … لكن الله أمر النبي بخمسين صلاة ثم خفّفها إلى خمس صلوات فقط ، لكي نعرف أن الله يستجيب لنا لأنه أراد أن يستجيب ، وليس لأنه محتاج للصلاة .
– ولِكي نُثْبت طاعتنا لله ، فيجب أن ننفّذ أمْره ،، ولو أَصدَر الله بعد فترة أمراً آخَر عكس الأمر السابق فيجب أيضاً أن ننفّذه ،، وهذا لا يدل على أن الأمر السابق كان خطأ ، لكن يدل على أن الله يُوجّه المخلوق ويتحكم فيه كيف يشاء ، وهذا هو الناسخ والمنسوخ ، والقرأن يقول ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) وهنا كلمة ( آية ) تعني الحُكم والأمر .
وكلمة ( آية ) لها أكثر من استخدام ، فأحياناً تعني جُملة من القرأن ، وأحياناً تعني مُعجزة ( وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ) ، وأحياناً تعني حُكم من أحكام الشريعة ، وأحياناً تعني علامة ( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ) ،، والمعنى المقصود يُفهم من سياق الكلام .
– وأنت عندما تقول ( يا فلان لقد أعطيتك كلمة ) فهذا يعني أنك أعطيته ( وعد ) ، و الله قد وعَد المؤمنين بالجنة ، ووعَد الكافرين بالنار ، وهذا الوعد ثابت لا يتغير ، والقرأن يقول ( لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ) يعني لا تبديل لِوُعود الله وسُنّة الله في الكون ، لأن القرأن يقول أيضاً ( وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) .
– القرآن هو الكلمات التي قالها الله وحَكَم بأنها قُرآن ،، لأن هناك كلمات قالها الله لكن لم يحكم بأنها قُرآن .
معنى ذلك أن القرأن هو كلام الله الذى أخَذ الحُكم بأن يكون قُرأن ويتم تلاوته فى الصلاة ،، وهناك بعض الآيات أخذت الحُكم وتم وضْعها فى القرأن ، وبعد فترة من تلاوتها رفع الله عنها الحكم ، وبالتالي لم تصبح من القرأن ، ولكنها من كلام الله ، وهذا هو الناسخ والمنسوخ ، ولذلك كان الصحابة يُزيلون كتابة الأيات المنسوخة حتى لا يقرأها الناس ، وإذا لم تتم إزالتها كان الله يُسلّط الدّواب فتأكل الصحيفة التي فيها آيات منسوخة ، وذلك كما حدث بخصوص آية الرّضاع 👇
* الرّد على الأغبياء الذين يزعمون وجود نقص فى القرأن بعد أن أكلت الدّاجن صحيفة مكتوب فيها أية الرضاع :
الأصل فى نقل القرأن هو السماع وليس الكتابة ، بدليل أنه فى عهد النبى كان غالبية المسلمين لا يستطيعون القراءة والكتابة ، ولكن كان عندهم قُدرة كبيرة على الحفظ . والله تكفل بحفظ القرأن بنفسه ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وهناك أيات أمر الله بنسخ تلاوتها ، يعني أراد الله أن يتم قراءتها لفترة مؤقتة فقط ، وبعد ذلك رفع الله عنها حُكم التلاوة وأبقَى على حُكم التطبيق .
لذلك إذا نسِي المسلم التخلص من الأيات المنسوخة ، فإن الله كان يُسلّط الدّواب لِكي تأكل الصحف المكتوب فيها تلك الأيات المنسوخة حتى لا تقع فى أيدى الناس بالخطأ .
ولذلك نحن متأكدون أنه لا يوجد أيات منسوخة التلاوة في المصحف الذى بين أيدينا اليوم .
وهناك حديث مروِي عن السيدة عائشة تقول فيه ( لقد نزلَتْ آيةُ الرَّجْمِ ، ورَضاعةُ الكَبيرِ عَشْرًا ، ولقد كانَ في صَحيفةٍ تحت سَريري ، فلمَّا ماتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتشاغَلْنا بموتِه ، دخَلَ داجنٌ فأكَلَها . ) ولو افترضنا أن هذا الحديث صحيح فإنه لا يدُل على ضياع هذه الأيات من القرأن ، بل يدل على حفظ القرأن من الضياع ، لأن المسلمين في عهد النبي كانوا يعتمدون على نقل القرأن بالسماع وليس بالكتابة فقط لأن غالبية المسلمين كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة أصلاً ،، وهذه الأيات غير مكتوبة فى المصحف الحالي ليس بسبب ضياع الصحيفة ولكن لأن الله نسخ حُكم التلاوة عنها وبالتالي لا يصح أن نستمر فى تلاوتها ، والدليل على ذلك هو قول السيدة عائشة نفسها ( كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ ) ،، ولاحِظ أنها لم تقل ( وهُنّ من القرأن ) بل قالت ( وهُنّ فيما يُقرَأ من القرأن ) مما يدل على أن الله نسخ تلاوة هذه الأية الثانية أيضاً ، وهذا النسخ حدث قبل وفاة النبى بفترة قصيرة ، فعَلِم بعض الصحابة بهذا النسخ ، لكن البعض الأخر من الصحابة لم يعلموا بهذا النسخ واستمروا بقراءة هذه الأية بعد وفاة النبي ، ثم توقفوا عن تلاوتها بعد أن علموا بنسخها .
ولو كانت هذه الآيات باقية التلاوة ، لَمَا منَع أكْلُها بواسطة الداجن تسجيلَها في المصحف ،، فإن الصحابة يتذكروا تلك الآيات ، بدليل أن السيدة عائشة نفسها تتذكرها ،، مما يدل على أن سبب عدم تسجيلها في المصحف هو نسْخ تلاوتها ، وليس أكْلها بواسطة الداجن .
وعِلْم القرأن يشتمل على كذا فرع ، مثل أنواع القراءات التى قرأها جبريل ، وأسباب نزول كل آية ، وترتيب الأيات والسور ، والفواصل بين الأيات ، والناسخ والمنسوخ ، وغيرها … ولا يوجد صحابي بمُفرده يعلم جميع هذه الفروع بالكامل ، لكن قد يعلم بعض هذه الفروع بالكامل ، مثل عبد الله بن مسعود أكثر الصحابة عِلماً بالقرأن والذى يعلم أسباب نزول كل الأيات ، ولكن قد لا يعلم كل الأيات المنسوخة ، وبالتالي قد يوجد صحابي أخر حضَر نسْخ أية مُعيّنة في حين كان ابن مسعود غائب فى هذه اللحظة ، ويصبح لدَى هذا الصحابي معلومة غائبة عن ابن مسعود ، ولكن فى المُجمَل تكون جميع معلومات ابن مسعود أكثر من معلومات هذا الصحابي .
لذلك عند جمْع القرأن طلب أبو بكر من كل صحابي أن يقول رأيه بكل حرية وصراحة ولا يكتم شيئاً من عِلْمه حتى لو كان رأيه مخالف لبقية الصحابة ، وذلك لِكي يضمن أبو بكر أنه لم تختفي ولا حتى آية واحدة من القرأن ،، وبعد ذلك بقِيَ أن يَدرُسوا كل آية ليتأكدوا أنها لم تُنسخ قبل وفاة النبي قبل أن يضعوها فى المصحف النهائي .
يعني ابن مسعود كان أَعلم الصحابة بالقرأن لدرجة أنه ظن أنه يعرف جميع فروع هذا العلم بالكامل ، وبالتالي كان من الواجب عليه أن يَطلب تحمُّل مسؤولية جمْع القرأن حتى لا يكون مُقصّراً فى خدمة الدين ، وفعلاً طلب ذلك من أبي بكر ، لكن أبوبكر رفض ، لأنه من الوارد أن يعرف ابن مسعود أسباب نزول كل الأيات باعتبار أن سبب النزول شيء ثابت لا يتغير ، لكن المشكلة فى الناسخ والمنسوخ ، فقد يحدث نسخ للآية في أي وقت ، وبالتالي لا يُمكن الإعتماد على شخص واحد ، بل اشترط أبو بكر شهادة أكثر من صحابي قبل تسجيل كل آية فى المصحف النهائي .
يعني لو لم يطلب ابن مسعود هذا الطلب فسوف يكون مقصّراً ،، ولو وافق أبو بكر على هذا الطلب فسوف يكون مقصّراً ،، لذلك فقد أصاب ابن مسعود فى الطلب ، وأصاب أبو بكر فى الرفض ، لأن كل واحد منهما يتصرف على قدر عِلمه .
يعني طريقة جمع القرأن تمت على أكمل وجه بدون أن ينقص حرف أو يزيد حرف عن أخر مُطالعة قام بها جبريل مع النبي ، وهذه المُطالعة شملت أخِر تحديث لجميع الآيات بواسطة جبريل عليه السلام .
فالحمد لله الذى تَكفّل بِحفظ القرأن بنفسه ، وأرشد الصحابة للطريقة العلمية الصحيحة لجمْع القرأن ، حتى لا يحدث فيه تحريف كما حدث فى بقية الأديان .
* سؤال : هل أنكر عبد الله بن مسعود سورتَي المعوّذتين ؟
* الجواب : النبي – صلى الله عليه وسلم – كان أحياناً يقرأ بعض الأدعية أثناء الصلاة مثل دعاء القُنوت ، وكان عبد الله بن مسعود يظن أن النبي يقول المعوّذتين على سبيل الدعاء وليس على سبيل التلاوة ،، لأن هناك بعض الآيات تم نسخ تلاوتها ،، ولكن عندما علِم بن مسعود أن المعوّذتين لم يتم نسخ تلاوتهما ، قام بن مسعود بإثباتهما في مصحفه وكان يتلوهما في الصلاة ، بدليل أن هناك قراءة من القراءات السبع مأخوذة عن بن مسعود وهي قراءة عاصم عن ابن مسعود ، وفيها سُوَر الفاتحة والمعوّذتان .
* سؤال : هل قامت السيدة عائشة بإضافة كلمة إلى القرأن ؟
* الجواب : هناك حديث صحيح رواه الإمام مسلم يقول ( عَنْ أَبِي يُونُسَ ، مَوْلَى عَائِشَةَ ، أنَّهُ قالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا ، وَقالَتْ : إذَا بَلَغْتَ هذِه الآيَةَ فَآذِنِّي : { حَافِظُوا علَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى }[ سُورة البقرة : 238 ] فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فأمْلَتْ عَلَيَّ : { حَافِظُوا علَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى } ، وَصَلَاةِ العَصْرِ ، { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } . قالَتْ عَائِشَةُ : سَمِعْتُهَا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ . ) يعني السيدة عائشة أرادت أن تكتب كلمة ( وصلاة العصر ) بجوار آية مُعيّنة ، ولذلك طلبت من هذا الشخص أن يُخبرها عندما يَصل لتلك الآية ،، معنى ذلك أنها متأكدة أن ذلك الشخص لن يكتبها من نفسه لأنه يعلم أن كلمة ( وصلاة العصر ) هي منسوخة التلاوة ،، وبالتالي هذا يدل على أن السيدة عائشة نفسها تعلم أن تلك الكلمة هي منسوخة ،، بدليل أن هناك حديث أخر صحيح رواه أيضاً الإمام مسلم يقول ( عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ ، قالَ : نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ : { حَافِظُوا علَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ العَصْرِ } ، فَقَرَأْنَاهَا ما شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ ، فَنَزَلَتْ : { حَافِظُوا علَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى }[البقرة:238]، فَقالَ رَجُلٌ كانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقِ له : هي إذَنْ صَلَاةُ العَصْرِ ، فَقالَ البَرَاءِ : قدْ أَخْبَرْتُكَ كيفَ نَزَلَتْ ، وَكيفَ نَسَخَهَا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ) ،،، يعني السيدة عائشة أرادت أن تكتب تلك الكلمة بجوار تلك الآية على سبيل التفسير وليس على سبيل التلاوة ،، يعني هي عندما كانت تُرَتِّل القرأن ، كانت تقرأ تلك الآية بدون أن تقرأ كلمة ( وصلاة العصر ) ،، لكن إذا كانت تفسر القرأن فساعتها فقط كانت تقرأ كلمة ( وصلاة العصر ) على سبيل التفسير وليس على سبيل الترتيل ،، ولقد كان الصحابة وأمهات المؤمنين يكتبون مصاحف خاصة بهم تحتوي على بعض التفاسير وبعض الأدعية مثل دعاء القُنوت بدون أن يخافوا من سوء الفهم ، لأنهم يكتبوها في مصاحف خاصة بهم ( مثل مصحف بن مسعود ) ولا يقرأها عامة الناس ،، والصحابة طبعاً يحفظون القرأن عن ظهْر قلب ، ويُفرّقون بين القرأن وبين التفسير والدعاء .
لكن عندما دخل الأعاجم في الإسلام ، أَخطَأُوا في القرأن لأنهم ضعيفون في اللغة العربية والنّحو ،، لذلك قام الخليفة عثمان بن عفّان بكتابة مصحف يحتوي علي الرسم القرأني المكتوب في عهد النبي ،، ومنَع كتابة التفاسير والدعاء في المصحف ، وسمح بكتابتها في كُتب منفصلة خاصة بالتفاسير ،، لكن لم يَحذفها نهائياً كما يريد العلمانيون حذْف السّنّة النبوية وتفاسير القرأن 👇
* سؤال : لماذا أحرق الخليفة عُثمان بن عَفّان بعض المصاحف ؟
* الجواب : فى عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت الأيات مكتوبة على جريد النخل والجلود والحجارة العريضة وبعض الصُّحُف ، وبعد وفاة النبي قام الخليفة أبوبكر بكتابة تلك الأيات بنفس الرسم على صحائف مُجمّعة في مصحف واحد ،، وبعد وفاة أبي بكر انتقلت هذه الصحائف إلى بيت أم المؤمنين حَفْصة .
وعندما حدثت أخطاء فى كتابة بعض المصاحف فى زمن الخليفة عثمان بسبب الأعاجم الذين أسلموا ، أخَذ سيدنا عثمان الصحائف من السيدة حفصة ونسخ منها المصحف العثماني بنفس الرسم القديم ، وسُمّي كذلك لأنه كُتِب فى عهد عثمان ، ثم أَحرَق بقية المصاحف الأخرى التى بها أخطاء .
يعني إحراق المصاحف في هذه الحالة ليس إهانة للقرأن ، بل هو حِفاظ على القرأن من التحريف .
– انظر ⇐ [ الرّد على الأشخاص الذين يَزعُمون وجود أخطاء فى القرأن ]
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )