[ المجموعة الأولى من المفاهيم الخاطئة : ]⇐ مفهوم خاطيء بخصوص تطبيق الحدود وتطبيق الشريعة :
* المفهوم الخاطيء : تطبيق الشريعة يَستوجِب دائماً تطبيق الحدود .
* الصّواب : تطبيق الشريعة أحياناً يستوجب تعطيل الحدود .
لأن هناك فرق بين تطبيق الشريعة وتطبيق الحدود .
فأحياناً يكون تطبيق الحدود هو تطبيق للشريعة ، وأحياناً يكون تطبيق الحدود هو تعطيل للشريعة .
والشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان ، وبالتالي يجب تطبيق الشريعة في كل زمان ومكان ، ولكن لا يجب تطبيق الحدود فى كل زمان ، لأن الظروف تختلف من زمن لأخر ، ولذلك فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمَح للمسلمين بالإجتهاد فى إصدار الفتاوى لِكَي تَشتمل الشريعة على فتاوى مختلفة بحيث يتم تطبيق الفتوى المناسبة فى الظرف المناسب .
– والحدود هى أحد أشكال العقوبة على المُذْنِب .
– والشريعة لم تأمُر بتطبيق الحدود في كل الظروف ، بدليل أن الشريعة نفسها تنهى عن تطبيق الحدود فى ظروف معينة ، ولذلك فإن تطبيق الحدود فى تلك الظروف المُعيّنة يُعتبر فى حد ذاته تعطيل للشريعة .
– فمثلاً قام سيدنا عُمر بن الخطاب بتعطيل حدّ السرقة فى وقت المجاعة ، وهو بذلك يكون قد عطّل الحد ولكن لم يُعطّل الشريعة ، بل على العكس فهو بذلك يكون قد نفّذَ أمْر الشريعة ، ولو طبّق الحد في هذا الظرف يكون بذلك مُعطِّل للشريعة .
– يعني الشريعة هي التي أخبرَتنا أن تطبيق الحد غير صالح في كل ظرف ، وهذا ليس عيب فى الحد ولا نقْص فى الشريعة ،، لأن الشريعة بالفِعل لم تُغْفِل هذه الظروف ووضعَت إجراءات أخرى غير الحد في تلك الظروف ، وذلك بشكل مؤقت إلى أن تتغير الظروف وتصبح مناسبة لتطبيق الحدود مرة أخرى ،، وكما قلت فإن ذلك هو أوامر الشريعة نفسها .
لأن تطبيق الحدود ليس هدف بحد ذاته ، بل هو وسيلة لهدف مُعيّن ، وهذا الهدف هو الحفاظ على استقرار المجتمع ،، والوسيلة قد تَتغيّر حسب الظروف ، لكن الهدف لا يمكن أن يَتغيّر ،، لذلك فإن الشريعة عطّلَت تطبيق حد السرقة في وقت المجاعة ، لأن تطبيق الحد في هذا الظرف سيؤدي إلي فقدان الهدف وسيحدُث اضطراب وفوضى في المجتمع .
– معنى ذلك أن الحاكم إذا رأَى أنّ بعض الناس يُعارضون تطبيق الحدود وأن هذه المُعارضة ستحاربه وتؤدي إلى اضطراب وفوضى في المجتمع إذا طبق الحدود عليهم ، ففي هذه الحالة لو قام الحاكم بتطبيق الحدود بالقوة سيصبح مُعطِّل للشريعة التي أمرَت بالحفاظ على استقرار المجتمع ، ولذلك يجب على هذا الحاكم عدَم تطبيق الحدود في هذه الظروف ، وفي نفس الوقت يَتبرّأ أمام الله من هؤلاء المُعارضين ، وبالتالي يقع الذنب على المعارضين وليس على الحاكم .
– لكن لو كانت المعارضة لا تؤدي إلى اضطراب المجتمع ، ففي هذه الحالة يجب على الحاكم تطبيق الحدود .
– يعني باختصار : إذا كان أغلب الظن أن الحاكم يستطيع الإنتصار على من يعارض تطبيق الحدود ، فساعتها يجب على الحاكم أن يطبق الحدود رغماً عن المعارضين ، لأنهم لو حاربوه فسوف ينتصر عليهم ويحافظ على استقرار المجتمع ، لكن لو أن أغلب الظن أن المعارضين سينتصرون على الحاكم إذا حاول تطبيق الحدود ، فساعتها يجب على الحاكم أن يؤجل تطبيق الحدود إلى أن يصبح لديه القوة الكافية للسيطرة على المعارضين .
مع ملاحظة أن المعارضين لو انتصروا على الحاكم وسيطروا على الحُكم ، فإنهم سيغلقوا المساجد ، ويمنعوا الأذان ، ويفعلوا المنكرات في الشوارع ، ويتخلصوا من البقية الباقية لشعائر الإسلام الموجودة حالياً .
– وأَمّا الشخص الذي يرفض تطبيق الحد ، فقد يكون ظالم وقد يكون كافر ، على حسب سبب رفضه لتطبيق الحد .
يعني لو كان سبب رفْضه هو اعتراضه على حُكم الله فهُو كافر ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) وذلك لأنه يرَى أن هذا الحُكم هو خطأ من الله ، وهذا يُشْبه مَعصية إبليس عندما رفض السجود لآدم ( إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) .
لكن لو كان سبب رفْضه هو التّكاسُل أو الغفلة أو اتّباع الهوَى فهُو ظالم ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وذلك لأنه يرَى أن حُكم الله صحيح لكن منعَته شهواته من تنفيذ حُكم الله فأصبح ظالماً لنفسه أو لغيره ، وهذا يُشْبه معصية آدم وزوجته بسبب الغفلة عندما أَكَلا من الشجرة ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
– والحد ليس هو الجزاء النهائي للمذنب ، لكن جهنم هي الجزاء النهائي له ، فمثلاً جزاء الزاني في الإسلام هو دخول جهنم ، ولن يعصمه شيء من تَلقِّي هذا الجزاء إلا التوبة النصوحة قبل الموت ،، يعني إذا أُقِيم عليه الحد ولم يتُب إلى الله فإن الحد لن يَعصمه مِن دخول النار ،، لأن الحد فقط ليس جزاء كافٍ لمعاقبة الزاني .
والحكمة من تشريع الحد هو ردع بقية أفراد المجتمع عن الزنا ، لأن هناك أشخاص لا يخافون من عذاب الآخرة ، لكن يخافون من عقاب الدنيا .
والحد لا يُطبَّق إلا بعد ثُبوت الزنا بالأدلة القاطعة التي ليس فيها شُبهة ، حتى لا يكون الشخص مظلوم .
وإذا ثَبتت جريمة الزنا بالأدلة القطعية وقال الشخص أنه تاب إلى الله ، ولم نُقِم عليه الحد ، فإن المجرمين سيستغلون ذلك ويمارسون الزنا وعندما يتم القبض عليهم سيزعمون أنهم تابوا ليهربوا من الحد .
لذلك فإن إعلان التوبة أمام الناس لا يمنع تطبيق الحد ، لأن الله وحده هو الذي يعلم نِيّة الإنسان ، وإذا كانت التوبة صادقة فإن الله سيرحمه من دخول النار .
لكن إذا زنا الشخص ولم يتِمّ إثبات ذلك أمام الناس ، ثم ندم هذا الشخص وتاب ، فإن الله يقبل توبته ويرحمه من دخول النار ، حتى لو لم يتم تطبيق الحد عليه ،، يعني ليس ضروري أن يَعترف الشخص على نفسه أمام الناس ليقبل الله توبته .
وهذا لا يُعتبر تشجيعاً على الزنا والهروب من الحد ،، لأن الشخص الذي يهرب من الحد لا يَضمن أن يتوب قبل الموت ، وبالتالي لن يهرب من جهنم إذا مات قبل التوبة .
وإذا فعَل الإنسان معصية بدون خوف من الله وقال في نفسه أنه سيتوب بعد المعصية ، فإن الله لن يجعله يتوب أصلاً قبل الموت .
لكن إذا فعل الإنسان معصية وهو خائف من الله وكارِه لِمخالفة أوامر الله ، ولكن غلبَته شهوته ، فإن الله قد يجعله يتوب قبل الموت .
ولاحِظ أن الله يقبل التوبة إذا تاب الإنسان فعلاً ،، لكن إذا لم يتوب الإنسان فلن يكون هناك توبة أصلاً لِكَي يَقبلها الله .
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )