[ الرَّد على المجموعة الأولى من الشُّبهات : ] ⇐ الّرد على العلمانيّين الذين يَزعمون أنهم ( قُرآنيّون ) وفي الحقيقة هم ( نُكرانيّون ) لأنهم يُنكرون السُّنّة النبوية ويُنكرون الحجاب ،، توضيح المقصود من آية ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) :
– الكلمة الواحدة فى اللغة العربية قد يكون لها أكثر من معنى ، وقد يكون لها معنى وعَكْسُه في نفس الوقت ، مثل كلمة ( مَوْلَى ) فمِن حيث اللغة تعني ( سيّد ) وتعني ( عبد ) .
– اللفظ الواحد يحتوي على معاني لُغوية كثيرة ، وعندما يتواجد هذا اللفظ فى القرأن فإن تلك المعاني اللغوية تنقسم إلى معاني شرعية ( مقصودة ) ، ومعاني غير شرعية ( غير مقصودة ) .
– عدد حروف المصحف محدود ، ولكن القرأن صالح لكل زمان ، لذلك فهو يحتوي على معاني كثيرة ، يعني الآية الواحدة قد تشتمل على معاني مقصودة كثيرة ( من حيث الشريعة ) ، وتشتمل أيضاً على معاني غير مقصودة كثيرة ( من حيث اللغة ) .
– عندما تشتمل الآية الواحدة على معاني مقصودة كثيرة ، فإن ذلك لا يدل على التناقض ، بل يدل على الإعجاز البلاغِي فى القرأن .
– لذلك فإن عُلماء التفسير المُعتبَرين يستخرجون من الآية الواحدة معاني مقصودة كثيرة ، وفى نفس الوقت يستبعدون المعانى الغير مقصودة .
– لِكَي نُفرّق بين المعاني المقصودة والمعاني غير المقصودة من الآية ، لابد أن نتّبع تفسير النبي والصحابة للقرأن ، وهذا هو ما يفعله علماء التفسير .
– النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فَسّروا القرأن ، لكن العلمانيّين يرفضون ذلك التفسير ، ويستشهدون بآية ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) ويُفسروها بأن المخلوق لا يعلم تفسير القرأن ،، وعندما نسأل هؤلاء العلمانيين ( كيف عرفتم تفسير تلك الآية التى تستشهدون بها ، طالما أن المخلوق لا يعلم تفسير القرأن ؟ ! ، وكيف تُنفّذون تعليمات القرأن طالما أنتم لا تعرفون تفسيره ؟ ! ) فإن العلمانيين يخرسون عن الإجابة .
– على العموم ، نحن نقول أن الله وحده يعلم تفسير القرأن ، و ( الله ) هو الذى أخبر النبي بتفسير القرأن ، يعني النبي عَلِم تفسير القرأن بإذن الله ، وهذا ليس تناقض .
مثال : الله وحده يخلق الخلق ، و ( الله ) هو الذي أعطَى قُدرة لِسيدنا عيسى لِيخلق بعض الأشياء ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ) يعنى عيسى خلَق طيراً بإذن الله ، وهذا ليس تناقض ، لأن الله يستطيع أن يَخلق الطير من لا شيء ، ولذلك فإن الله هو أحسن الخالقين ، لكن عيسى يَخلق الطير من طين ، ولذلك فإن عيسى ليس إله .
مثال أخر : الله وحده يعلم الغيب ، و ( الله ) هو الذي أَطلَع الرسول على بعض الغَيبيّات ( عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ فَلَا يُظۡهِرُ عَلَىٰ غَيۡبِهِۦٓ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ٱرۡتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ ) يعنى الرسول عَلِمَ الغيب بإذن الله ، وهذا ليس تناقض .
– القرأن يقول ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) وهذه الآية تدل على وجود تعليمات عند النبي بخصوص تقسيم الغنائم ، ولو كانت هذه التعليمات مذكورة بالتفصيل فى القرأن فإننا سوف نتّبعها بشكل تلقائي ، ولن يكون هناك داعِي لهذه الآية التى تأمرنا باتّباع تلك التعليمات ، لكن لا توجد آية بدون داعي ،، معنى ذلك أن تلك التعليمات ليست مذكورة بالتفصيل فى القرأن ، وهذا ليس نقْص فى القرأن لأن القرأن لم يَغفل عنها ، بل أخبرَنا أنها موجودة عند النبي ،، بدليل أن القرأن يقول في آية أخرى ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ، يعني الله يأمر النبي أن يُبيّن القرأن للناس ، وقراءة القرأن فقط ليست تَبيِين ، فإن التّبيين هو تفصيل ما أُجمِل ، وتوضيح ما أُشكِل ،، لأن هناك آيات مُجمَلة تحتاج إلى تفصيل ، وهناك أيات متشابهات تحتاج إلى تفسير .
وهذا ينسف المبدأ الذي يعتمد عليه العلمانيون فى إنكار السُّنّة النبوية ، لأنهم ينكرون السُّنّة ويقولون ( القرأن يحتوي على كل شيء فلا داعي لأحاديث النبي ) ، وهذه مقولة حق يُراد به باطل ،، فالقرأن فعلاً يحتوي علي كل شيء ( مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ) ، ولكن ذلك لا يَعني ترك أحاديث النبي ، بل علي العكس تماماً ، فهذا يستوجب اتّباع سُنّة النبي لأن القرأن الذي يحتوي على تفصيل كل شيء .. احتوَى على أمْر مُباشِر باتّباع سُنّة النبي .
يعني القرأن به كل التفاصيل ، ومن ضِمن هذه التفاصيل توجد أوامر للنبي بأن يفسر القرأن ، وتوجد أوامر لنا بأن نتّبع تفسير النبي ،، ولذلك فإن السّنّة النبوية ليست جزء من القرأن ، ولكن هي نتيجة للتفاصيل الموجودة في القرأن .
– يعني القرأن هو الذي يأمرنا باتّباع سُنّة النبي لأن النبي يتكلم في الشريعة بِوَحي من الله ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) ، لذلك فإن إنكار السُّنّة هو مخالَفة للقرأن ، كما أن إنكار القانون هو مخالَفة للدستور .
– سيدنا عيسى أعطى للناس إنجيل صحيح غير مُحرَّف ، ثم بعد ذلك قام كل شخص بتفسير كلمات الإنجيل تفسيراً خاطئاً على مزاجه ، وهذا التحريف فى المعنى أدى إلى تحريف اللفظ نفسه بعد ذلك ، يعني حدث تحريف لألفاظ الإنجيل .
– العلمانيون لم يستطيعوا تحريف ألفاظ القرأن مباشرة ، لذلك يلجأون إلى تحريف معاني ألفاظ القرأن على مزاجهم ، لكى يَسْهُل عليهم تحريف ألفاظ القرأن بعد ذلك ، وهذا بالضبط هو أسلوب المنافقين .
– لذلك فإن العلمانيين يَكرهون السُّنّة النبوية لأنها تُفسر القرأن بطريقة صحيحة ، مما يؤدي لفشل خطّتهم فى تحريف القرأن .
– هناك أشخاص اخترعوا بعض الأحاديث من عندهم ونسبوها للنبي ، ولذلك أصبح هناك أحاديث صحيحة وأحاديث ضعيفة يتناقلها الناس فيما بينهم ،، ونلاحظ أن علماء الحديث يكتبون جميع الأحاديث التي يتناقلها الناس ، وبذلك نحن أصبحنا متأكدين أنه لا توجد أشياء محذوفة في الإسلام ،، وأيضاً علماء الحديث يذكرون الفرق بين الحديث الصحيح والضعيف ، لِكي نُطبّق الحديث الصحيح ونترك الحديث الضعيف ،، وبذلك أصبح عندنا شريعة كاملة وصحيحة ،، على عكس بقية الأديان المُحرَّفة .
– وهناك أشخاص أغبياء يزعمون أن هناك أحاديث ظلت صحيحة لمدة ألف عام ثم قام المسلمون بتضعيفها منذ فترة قريبة ،، بينما الحقيقة هي أن علماء الحديث قد حكموا على تلك الأحاديث بأنها ضعيفة منذ مئات السنين .
– القرأن يقول ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ) وكلمة ( جِلباب ) لا تعني ( الجلابية ) بشكلها الحالي ، بل تعني قماش مثل الملحفة يتم وضعه على الجسم فوق ثياب البيت عند الخروج من البيت بهدف تغطية الأجزاء التي لا تُغطيها ثياب البيت ، وكُل معاجم اللغة العربية القديمة والحديثة يُفسرون كلمة ( جِلباب ) بأنها قماش يغطي الرأس ، بدليل أن أقدم مُعجم في اللغة العربية يقول ( والجِلباب : ثوبٌ أوسع من الخِمار دُون الرّداء ، تُغطّي به المرأة رأسها وصدرها ) وهذا المعجم هو معجم ( العين ) وقد كتبه ( الخليل بن أحمد الفراهيدي ) المولود بعد الهجرة بمائة عام ، والفراهيدي هو الذي أَسّس عِلْم ( العَروض ) وهو أيضاً أستاذ ( سِيبَويه ) ، ونلاحظ أن ( سِيبَويه ) هو إمام في علم ( النّحو ) ولذلك لقّبوه بأنه ( إمام النّحويّين ) .
– النبي والصحابة فسّروا تلك الآية السابقة بأنها تشتمل على تغطية شعر الرأس ، لكن العلمانيّين يرفضون ذلك التفسير ويعارضون الحجاب بحُجة أن لفظ ( شعر الرأس ) غير مذكور فى الآية ، ويُشبّهون حجاب المرأة بـ ( كيس الزبالة ) .
لذلك نحن نقول لهؤلاء العلمانيين أن ( الرجل الذي يَسِير بجوار زوجته وهي لابسة كيس زبالة .. هو أفضل بكثير من كيس الزبالة الذى يسير بجوار زوجته وهي مش لابسة ) .
– ولاحِظ أن الإسلام يَفرض على المرأة تغطية الجسم كله ماعدا الوجه والكفّين ، وذلك في الظروف المعتادة ، لكن هناك أحكام استثنائية للظروف الاستثنائية ، لذلك يجب تغطية الوجه عند الخوف من حدوث فتنة مثلاً ، وأيضاً يُسمح للمرأة العجوز ببعض التخفيف من الملابس إذا أمِنَت الفتنة ،، انظر مقالة [ مفهوم خاطيء بخصوص النّقاب ، وصوت المرأة ، وعَوْرة المرأة ، وعورة الرجُل ]
– والعلمانيون يعترضون على الأحاديث النبوية بحجة وجود تناقُض بين تلك الأحاديث ،، ولكن الحقيقة هى أن التناقض موجود فى تفكير العلمانيين وليس فى أحاديث النبي .
يعني العلمانيون يذكرون حديث واحد من كلام النبي ، ويظنون أن ذلك الحديث .. على إطلاقه .. بينما النبي يقصد من ذلك الحديث حُكم خاص بحالة معيّنة .
مثال : النبي نصَح أبا ذرّ بالإبتعاد عن الإمارة لأنها ندامة ،، وفى نفس الوقت قام النبي بتَعيين بعض الصحابة أُمراء على المدن الإسلامية .
ويزعم العلمانيون أن النبي يذُم الإمارة فى حديث ، ويمدحها فى حديث أخر ، ويزعمون أن هذا تناقض ،، لكن الحقيقة هى أن النبي يذُم الإمارة إذا تولّاها أبو ذرّ لأن أبا ذرّ شخص أمين ولكن ليس بارع فى الإدارة ،، والنبى لا يذُم الإمارة إذا تولاها صحابي أخر بارع فى الإدارة .
يعني لا يصح أن نأخذ فتوى واحدة من النبى ونُعَمّمها على جميع الحالات ، بل يجب أن نعرف الظروف التى صدَرت فيها تلك الفتوى ، ثم نُطبّق الفتوى فى ظروف مشابهة .
مثال أخر : عندما كان الصحابة يفتحون إحدى المدن ، كانوا يُعطون عهداً لأهل تلك المدينة على حسب معاملة سكان المدينة للمسلمين ، يعني إذا وافق سكان المدينة على دخول المسلمين بدون قتال ، كان الصحابة يسمحون للسكان ببناء المعابد والكنائس ، لكن إذا قام السكان بقتال المسلمين ، كان الصحابة يُضيّقون عليهم فى بناء الكنائس ، وإذا غيّر السكان بعد ذلك تلك المعاملة السيئة واستخدموا المعاملة الحسنة مع المسلمين ، كان الصحابة يسمحون لهم ببناء الكنائس ،، ولذلك كان الصحابة يَضعون قوانين مختلفة على حسب الظروف المختلفة ، ولا يضعون قوانين ثابتة لأن الظروف ليست ثابتة .
وإذا تَغيّرت الظروف كان الصحابة يُغَيّرون القوانين .
لذلك فإن وجود فتاوى مختلفة لا يدل على تناقض الشريعة كما يزعم الأغبياء ، بل يدل على كمال الشريعة ، انظر مقالة [ الرّد على أحد المشايخ الذي يزعم بأن رضاعة الكبير تكون من الثدي مباشرة ،، وتوضيح سبب وجود فتاوى مختلفة في الشريعة ]
( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )