[ الرَّد على المجموعة الأولى من الشُّبهات ] ⇐ الرّد على شُبهة معصية سيدنا أدم ، وعِصمة الأنبياء من الذنوب ، وزواج أولاد حوّاء من أخواتهم :
* المَعصِيَة هي عِصيَان الأَمْر ،، معنى ذلك أنه إذا لم يكن هناك أمر فلن يكون هناك معصية .
– الأنبياء والرُّسُل يُنَفّذون كل أوامر الله ، ولذلك هم معصومون من فِعل المعاصي والحرام والذُّنوب .
– كل رسول فهو نبي ، لكن ليس كل نبي هو رسول .
– سيدنا آدم هو أول رسول قبل حدوث الكفر بين الناس ، وطالما هو رسول فهو معصوم من ارتكاب المعاصي .
– وسيدنا نوح هو أول رسول بعد سيدنا آدم عندما كفر الناس بالله .
– القرأن يقول ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) ، ولكن تلك المعصية التي فعلها سيدنا آدم لا تَنفِي عنه ( العِصمة من الذنوب والمعاصي ) ، لأنه فَعل تلك المعصية في فترة بداية البشرية ، وهذه الفترة لها أحكام خاصة بها ، ولا تؤثر على الأحكام الموجودة بعد فترة بداية البشرية ،، وسأَذكُر مثال على ذلك :
* العِلم الحديث أثبت أن كل شخص فهو يحمل مادة وراثية داخل جسمه ، سواء كان هذا الشخص ذَكَر أو أنثى .
والعِلم أثبت أن المادة الوراثية للولد وأخته ليست متطابقة تماماً ، لكنها متشابهة بدرجة كبيرة ، والعِلم أيضاً أثبت أن المادة الوراثية للولد وبنت عمه متشابهة ولكن بدرجة أقل .
معنى ذلك أن المادة الوراثية للولد وأخته تكون مُتقاربة ، لكن المادة الوراثية للولد وبنت عمه تكون متباعدة .
ولا يصح أن يتزوج الرجُل من امرأة مادتّها الوراثية متقاربة مع مادته الوراثية ،، يعني لا يصح أن يتزوج أخته ولا أمه ولا خالته ولا أي امرأة من مَحارمه ، حتى لو كانت حفيدةُ حفيدهِ فلا يصح له أن يتزوجها ، لأنها برغم بُعدِها عنه في الأجيال ، إلا أنها متقاربة معه في المادة الوراثية .
لذلك يجب أن يتزوج الرجُل من امرأة مادتها الوراثية متباعدة عن مادته الوراثية ،، يعني يصح أن يتزوج بنت عمه أو بنت عمته ، أو أى امرأة غير مَحارمه .
– نحن نعرف أن المولود يحصل على نصف مادته الوراثية من أَبيه الذكَر ، ويحصل على النصف الأخر من أُمه الأنثى ،، ولذلك قد يُصبح المولود ذَكَر أو أنثى .
– عمليات الإستنساخ التي تتم في العصر الحديث ، هي عبارة عن أخْذ المادة الوراثية من كائن حي واحد ، ثم استخدام تلك المادة الوراثية بحيث ينتج عنها كائن حي آخَر نُسخة طبق الأصل من الكائن الأصلي ،، وهذا الكائن الآخَر له رُوح .
والكائن الآخَر يَكُون له جسم مُتشابه تماماً مع جسم الكائن الأصلي ، لكن رُوح الكائن الآخَر لا تتشابه مع رُوح الكائن الأصلي .
يعني الإستنساخ يحدث للجسم وليس للروح .
– الله خلق حواء من جسم آدم فقط ، يعني حواء حصلت على مادتها الوراثية كلّها من ذَكَر فقط ، هو آدم ، ولم تحصل أي مادة وراثية من أنثى .
ولذلك كان المُتوقع أن تُصبح حواء نُسخة طبق الأصل من آدم ، وتَكُون ذَكَر مثله ، كما يحدث في حالات الإستنساخ في عصرنا الحالي ،، لكن حواء أصبحت أنثى وليس ذكَر ، وهذا يعني أنه قد حصل تغيير في المادة الوراثية لحواء ، بحيث تتباعد عن المادة الوراثية لآدم ولا تتطابق معها .
وطبعاً فإن الله هو الذي صنع ذلك التغيير والتباعد في تكوين المادة الوراثية لحواء .
– ولذلك سمح الله لآدم أن يتزوج من حواء .
– ونلاحظ أن الله كان قادر على أن يخلق حواء من مصدر أخر غير جسم آدم ، بحيث لا تأخذ مادتها الوراثية من آدم ، لكن الله أراد أن يخلق حواء من آدم ، ويُغيّر في تكوين مادتها الوراثية لأن الله قادر على كل شيء .
– وبنفس المنطق ، فإن الله كان قادر على أن يخلق زوجين آخرين مع أدم وحواء ، بحيث يحدث تزاوج بين ذُريّاتهم ، بدون أن يضطر ابن آدم أن يتزوج أخته ،، لكن الله له طلاقة القُدرة ، لذلك خلق أخ وأخت من نفس الأب ونفس الأم ولكن مادتهم الوراثية متباعدة .
يعني كانت حواء تحمل ، وفي كل مرة تلد ولد وبنت توأم ،، وسمح الله للولد أن يتزوج من بنت أخرى غير توأمه المولودة معه في نفس الحمل .
وهذا يعني أن الأخ وأخته التوأم لهما مادة وراثية متقاربة ، لكن الأخ وأخته الأخرى لهما مادة وراثية متباعدة .
وهذه الأحكام تنطبق فقط على الجيل الأول من ذُرية آدم في فترة بداية البشرية ، لكن لا تنطبق على أحفاده ،، يعني لا يصح أن يتزوج الأخ من أخته بعد تلك الفترة ، لأن مادتهما الوراثية ستكون متقاربة .
لذلك فإن زواج الأخ من أخته في فترة بداية البشرية لا يَنفِي عنهما التباعد في المادة الوراثية .
وأيضاً فإن فِعل آدم للمعصية في فترة بداية البشرية لا يَنفِي عنه ( العِصمة من الذنوب والمعاصي ) ، لأنه لم يفعل أي معصية بعد تلك الفترة .
* الإستغفار هو أن تطلب المغفرة من الله ، وهذا الطلب هو دُعاء ، والدعاء يتم من الضعيف إلى القوي ،، يعني أنت عندما تدعو الله ، فهذا اعتراف منك بأنك ضعيف وبأن الله قوي ، وهذا يدل على خضوعك لله ،، والخضوع لله هو عِبادة لله ،، لذلك فإن الدعاء هو عبادة لله بدليل أن النبي صلى الله عيه وسلم قال ( الدُّعاءُ هوَ العبادةُ ) .
يعني الإستغفار في حد ذاته هو عبادة ،، كما أن الخوف من الله هو أيضاً في حد ذاته عبادة .
ونحن نستغفر الله ونخاف منه عندما نفعل شيء حرام .
والأنبياء لا يفعلون الحرام ،، لكنهم لا يريدون أن يفقدوا الإستغفار والخوف من الله ، بل يريدون أن تكون قلوبهم مملوءة بالخوف من الله في كل وقت ، لأنهم يخشون الله في كل وقت .
لذلك فإن الأنبياء يستغفرون الله من الحلال ، ويُسمّون هذا الحلال بأنه ذنْب بالنسبة إليهم ،، وهذا يدل على شدة وَرَع الأنبياء وخشيتهم لله عزّ وجلّ .
مثال : سيدنا إبراهيم كَسَّرَ الأصنام وترَك أكبر صنم وقال لقومه ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ) ، يعني سيدنا إبراهيم كذَب على قومه ، ولكن هذه الكذبة هي حلال وسيأخذ عليها حسنات ،، لأن إبراهيم قالها أثناء محاربة الباطل ، والحرب قد تكون بالسلاح ، وقد تكون بالكلام ،، وفي الحالتين يكون الكذب حلال ،، لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول ( لا يحلُّ الكذبُ إلَّا في ثلاثٍ : كذِبُ الرَّجلِ امرأتَه لِيُرضيَها ، والكذبُ في الحربِ ، والكذبُ لِيُصلِحَ بينَ النَّاسِ ) وطبعاً النبي يسمح بخداع العدو لكن لا يسمح بخيانة العدو .
وبرغم أن كذبة سيدنا إبراهيم هي ( حلال ) إلا أنه يُسميها ذنب ويستغفر الله منها ، لأنه يريد أن يستغفر الله دائماً أبداً .
وكلما تزداد درجة الإيمان بالله ، يزداد معها الخوف والخَشية من الله ، والنبي كان أخشَى وأتقى مخلوق ، ولذلك يقول النبي ( أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وأَتْقَاكُمْ له ) يعني ( أنا أكثر منكم خشية لله ) ،، ويقول النبي أيضاً ( واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً ) ،، لأن القرأن يقول ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ ) ويقول القرأن أيضاً ( لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) مع أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يفعل أي ذنب ،، لكن الله يُعلّمه الخوف والإستغفار حتى لو لم يفعل ذنوب .
مثال آخر : سيدنا يونس أخبر قومه أنهم لو استمروا في عنادهم وكُفرهم ، فإن الله سيعذبهم في يوم مُعيّن ، وعندما جاء ذلك اليوم ، خرج يونس من القرية حتى لا يُصيبه العذاب مع قومه ،، لكن قومه بعد خروجه ندموا وتابوا إلى الله ، فلم ينزل عليهم العذاب ،، لكن مع ذلك فإن يونس لم يرجع إلى قومه لأنه كان لا يزال غاضباً منهم ، ولا يتمنى أن يتعامل مع هؤلاء القوم مرة أخرى ، ولأن الله لم يأمره بالرجوع إليهم ،، يعني هو قد أتم مُهِمّته التي كلّفه الله بها ، وظن أن الله لن يُكلّفه بمهمة أخرى ، لكن الله قدَر عليه أثناء سفره في البحر ، وقذف به في بطن الحوت ، ليجعله يتمنى الرجوع إلى قومه بدل البقاء في بطن الحوت ،، يعني الله أراد أن يُعلّمه أن هناك ظروف أصعب من قومه ، وبالتالى تزيد قدرة يونس على تحمُّل قومه ، لأن الرجوع إلى قومه أهْون من البقاء في بطن الحوت ،، وفعلاً يونس بدأ يستغفر الله على سفره واعتبر نفسه ظالم ، مع أنه ليس ظالم ، لكنه قال على نفسه أنه ظالم تأدُّباً وخشية لله ،، والقرأن يقول ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .
* النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ ) ، والأنبياء هُم من بَنِي آدم ، لكن النبي لا يقصد أن الأنبياء يُخطئون ،، وسأوضح كلامي بِمثال :
الشخص الأعمى لا يستطيع رؤية الشمس ،، ولو أننا سمعنا شخصاً يقول ( الشمس ليست حِكْراً على أحد ، بل يراها كل الناس ) فإننا لن نَتّهِمه بأنه كاذب ، مع أنه لم يستثنِي العميان فى هذه الجملة ، لأننا بالفعل نَعلَم هذا المُستثنَى ،، وهذا الشخص المتكلم يُدرِك أننا نعلم هذا المُستثنَى ، وبالتالي لا داعي لِذِكْره في الجملة .
وبالقياس على ذلك المثال ، فالنبي قال ( كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ ) مع أن الأنبياء هم من بَنِي أدم ومعصومون من الخطأ ، والنبي يدرك أننا نعرف معلومة عصمة الأنبياء ، لذلك لا داعي لتكرار هذه المعلومة فى كل جملة ،، ولذلك فإن الفقهاء يُفَرّقون بين المصطلح العام المُطلق ، والعام الذى يُراد به الخاص .
– انظر ⇐ [ مفهوم خاطيء بخصوص السِّحر و الجن و الحسَد ، وإصابة النبي بالسِّحر و النسيان ]
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )