[ الرَّد على المجموعة الأولى من الشُّبهات ] ⇐ الرّد على أحد المشايخ الذي يزعم بأن رضاعة الكبير تكون من الثدي مباشرة ،، وتوضيح سبب وجود فتاوى مختلفة في الشريعة :
– كلمة ( رضاعة ) فى اللغة تعني شُرب اللبن من الثدي مباشرة ،، ولكن الشريعة الإسلامية تستخدم هذه الكلمة أيضاً إذا شرب شخص لبن امرأة بعد وضعه فى الكوب ، والدليل هو أن الفقهاء يحتسبون ذلك رضعة تُحرّم الزواج .
– وإذا شرب الإنسان لبن حيوان من الثدي مباشرة ، فإن ذلك يُسمَّى ( رضاعة ) من ناحية اللغة فقط ، وليس من حيث الشريعة ، يعني لا يُعتبر ذلك من الرضاعة التى تُثبِت البُنُوّة والأُخُوّة ،، يعني لا يُصبح هذا الشخص ( ابن ) للحيوان من الرضاعة .
لأن الرضاعة التي يَنتُج عنها بُنُوّة للشخص لابد أن تكون من إنسان وليس من حيوان .
– هناك أحد المشايخ يزعم بأن رضاعة الكبير تكون من الثدي مباشرة ، وهذا الشيخ يخالف جمهور فقهاء السلَف الصالح الذين يقولون بأن رضاعة الكبير تكون عن طريق وضع لبن المرأة في الكوب ، ثم يتم الشرب من هذا الكوب ،، بدليل أن بن عبد البَرّ يقول في كتاب ( التمهيد ) : (هَكَذَا إِرْضَاعُ الْكَبِيرِ كَمَا ذَكَرَ : يُحْلَبُ لَهُ اللَّبَنُ وَيُسْقَاهُ ،، وَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا – كَمَا تَصْنَعُ بِالطِّفْلِ – فَلَا ،، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ ،، وَقَدْ أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِمَا يَشْرَبُهُ الْغُلَامُ الرَّضِيعُ مِنْ لَبَنِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَمُصَّهُ مِنْ ثَدْيِهَا ) . يعني طالما أن الرضيع إذا شرب لبن امرأة غريبة من الكوب ، فإنه يُصبح ابنها من الرضاعة وتَحرُم عليه كأُمّه التي ولدته ، فإن الكبير أيضاً إذا شرب لبن المرأة من الكوب .. يُصبح ابنها من الرضاعة .
– ولم يَثبُت حديث صحيح بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وزوجاته وصحابته قالوا أن رضاع الكبير يكون عن طريق الثدي مباشرة .
والدليل على كلامى أن المولود الحديث الولادة إذا شرب لبن المرأة سواء من ثديها مباشرة أو عن طريق الكوب ففي كِلْتا الحالتين تُحتَسَب رضاعة ويُصبح ابنها من الرضاعة .
– وإذا لم تكن المرأة من مَحارم الرجُل فإن الإسلام يُحرّم عليه لَمْسها ،، معنى ذلك أن الكبير إذا رضع من ثديها مباشرة فسيضطر أن يلمسها قبل أن ينزل اللبن فى جوفه ، وهذا اللمس حرام لأنه لمَسها قبل أن يُصبح ابنها من الرضاعة ،، معنى ذلك أن رضاع الكبير يكون عن طريق وضع اللبن فى كوب ثم يتم الشرب من الكوب .
– وفي عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت هناك امرأة عندها ابن بالتّبَنِّي منذ كان طفلاً واسمه ( سالِم ) ،، وعندما كبر سالم ، جاءت المرأة لتسأل النبي بخصوص وجود سالم معها في نفس البيت وهو ليس من مَحارمها ، لأن زوجها كان يكره ذلك ،، فقال لها النبي ( أرضعيه ) لكي يُصبح ابنها من الرضاعة ويحق له أن يعيش معها في نفس البيت ، لكن المرأة استغربت لأن سالم كبير ، والنبي نفسه قال ( فإنَّما الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ ) يعني الرضاعة المحسوبة هي التي تكون لطفل صغير جائع للبن ، وليس لشخص كبير ،، لكنها لم تستغرب بسبب رضاعة سالم من ثديها مباشرة ، فهي تعلم أن النبي يقصد الرضاعة عن طريق شرب اللبن من الكوب وليس من ثديها مباشرة .
و النبي أخبرها أنه يعلم أن سالم كبير ، وأخبرها أن هذه الرضاعة في حالة سالم محسوبة حتى وهو كبير .
– يعني عندما أمَر النبي المرأة أن تُرضع ذلك الشخص الكبير لكي يصبح من مَحارمها .. استغربت المرأة لأن النبي نفسه قال ما معناه أن الرضاعة التى تُحرِّم يجب أن تكون لطفل صغير بحيث تكون المرأة ساهمت فى التغذية وإكمال النُّمُوّ فى نفس الوقت ، بينما هذا الشخص كبير وسوف تُفِيدُه الرضاعة فى التغذية فقط لأن نُمُوّه مُكتمِل بالفِعل ،، لكن النبي وافق فى هذه الحالة بالذات لأن هذا الشخص الكبير نشأ وتَربّى معها منذ كان طفلاً صغيراً ، وبالتالي هى ساهمت بالفعل فى إكمال نُموّه عن طريق الأكل العادي ، وبقي أن تُساهم في التغذية عن طريق الرضاعة .
– يعنى لكي يُصبح ابنها من الرضاعة ، فيجب على المرأة أن تساهم بالرضاعة فى ناحية التغذية وناحية إكمال النمو معاً ،، أو على الأقل تساهم بالرضاعة فى ناحية ، وبالأكل والتربية فى الناحية الأخرى .
– ولو كانت المرأة فى قصة سالم قادرة على إنتاج لبن الرضاعة بنفسها فمعنى ذلك أنها أرضعت سالم عن طريق حلب هذا اللبن فى كوب ثم شرب سالم من الكوب وأصبَح ابنها من الرضاعة ،، لكن لو كانت هذه المرأة غير قادرة على إنتاج اللبن بنفسها ، فمعنى ذلك أنها أرضعت سالم من لبن إحدى قريباتها كأختها مثلاً ،، يعني قامت أختها بِحلْب لَبنها فى كوب ثم يشرب سالم من الكوب ويصبح ابن أخت المرأة من الرضاعة ويستمر في العيش مع خالته من الرضاعة بنفس المنزل بدون حرج .
يعنى قصة سالم صحيحة حتى لو لم تكن المرأة قادرة على إنتاج اللبن بنفسها .
– والسيدة عائشة كانت تُرضع الكبير عن طريق لَبن أقاربها ، وليس لَبنها هي ، لأنها لم يكن عندها لبن أصلاً ، لأنها لم تَلِد أصلاً ، وبالتالي لم تكن قادرة على الإرضاع بنفسها .
يعنى إذا رضع الكبير من أخت السيدة عائشة عن طريق شرب اللبن من الكوب ، فإنه يصبح ابن أختها من الرضاعة ، يعنى يصبح من محارمها .
– باقى زوجات النبي اعترضن على قيام السيدة عائشة برضاع الكبير لنفس سبب استغراب المرأة فى قصة سالم ، واعتَبرن ردّ النبي على المرأة رُخصة لسالم فقط ،، لكن لم يكن سبب اعتراضهن هو الخجل من كشف العورة كما يظن الأغبياء ، لأن الرضاعة فى هذه القصة لم تكن أصلاً من الثدي مباشرة ، يعني لم يكن فيها كشف ولا لمس للعورة أصلاً .
– والإختلاف الذي حدث بين السيدة عائشة وبين باقي زوجات النبي ، هو اختلاف مسموح به من الشريعة نفسها ،، لأنه أنتج فتاوى مختلفة مفيدة للظروف المختلفة .
لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – هو الشخص الوحيد الذى يستطيع بمفرده أن يُصدر فتاوى مناسبة لجميع الحالات المعتادة والنادرة ،، لكن بقية الصحابة فكل شخص منهم يعرف فقط جزء من الفتاوى .
وهناك بعض الحالات النادرة التى لم تحدث فى زمن النبي ، وبالتالي لم يُصدر النبي فتوى مباشرة بخصوص هذه الحالات ، لكن النبي لم يَغْفل عنها ، لذلك وضع مبادئ أساسية تُساعد المسلمين على استنباط فتاوى مناسبة عند حدوث هذه الحالات .
– يعني الإسلام هو الذى سمح بالإختلاف فى الإجتهاد من أجل إصدار فتاوى مختلفة طبقاً لقواعد الشريعة الأساسية .
وهذا الإختلاف فى الفتاوى لا يدل على وجود تناقض فى الشريعة .
لأن التناقض يحدث إذا أمرت الشريعة بتطبيق الفتاوى المختلفة على نفس الشخص ، لكن الشريعة أمرت بتطبيق هذه الفتاوى المختلفة على أشخاص مختلفين ، وكل شخص له ظروف شخصية تختلف عن الشخص الأخر ، وبالتالي نختار الفتوى المناسبة للشخص المناسب والظرف المناسب .
يعنى هذه الفتاوى المختلفة تؤدي وظائف متكاملة ، وليست متناقضة كما يزعم الأغبياء .
والفتوى تكون صحيحة إذا تم تطبيقها فى الحالة المناسبة لهذه الفتوى .
وبالتالى فإن هذا الإختلاف مفيد ليجعل الشريعة كاملة ، مثل الإختلاف بين السيدة عائشة وبين باقي زوجات النبي بخصوص رضاع الكبير .
ولولا هذا الإختلاف لَمَا أصبَح لدَينا فتاوى مختلفة للظروف المختلفة ، وستصبح الشريعة ناقصة .
يعني مثلاً إذا قامت امراة بتربية طفل لم تلده ، ثم كبر هذا الطفل وأصبح شخصاً كبيراً ، ففي هذه الحالة نأخذ برأى السيدة عائشة ونجعل هذا الشخص الكبير يشرب من لبن المرأة أو من لبن إحدى قريباتها ، لكى يُصبح من مَحارم المرأة ويستمر فى العيش معها بدون حرج ،، والشرب يكون من الكوب وليس من الثدي مباشرة ،،
لكن لو كان الشخص الكبير مجرد زميل للمرأة فى العمل ، فإننا نأخذ بفتوى باقي زوجات النبي ولا نسمح لهذا الشخص بشرب اللبن فى هذه الحالة ،، يعني رضاع الكبير لا يصح بين زملاء العمل .
– ولاحظ أن السيدة عائشة هى أكثر امرأة تعرف معلومات عن الشريعة ، لكن مع ذلك فهي لا تعرف كل معلومات الشريعة ، ولذلك ممكن أن يكون عند السيدة حفصة معلومة غائبة عن السيدة عائشة .
– يعنى الشريعة الإسلامية بها فتاوى مختلفة متكاملة وليست متناقضة ، لأن كل فتوى تَصلُح لموقِف مُعيّن ، لذلك نحن نستخدم الفتوى المناسبة فى الظرف المناسب ، ولا نستخدم فتوى واحدة لمختلف الظروف ونُهْمِل باقي الفتاوى ، لأننا لو فعلنا ذلك فإن الشريعة تُصبح ناقصة وغير صالحة لكل زمان ومكان ، ونحن نعرف أن الإسلام هو الدين الخاتم الصالح لكل زمان ومكان .
لذلك لا يجب أن نطبق أراء فقيه واحد فقط ، لأن هذا الفقيه لا يعتبر مصدر كامل للشريعة ،، لكن لو وضعنا أمامنا أراء جميع الفقهاء وطبقنا الرأى المناسب فى الظرف المناسب فسيصبح لدينا مصدر كامل للشريعة مُكوّن من كل الفقهاء .
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )