[ الرَّد على المجموعة الثانية من الشُّبهات ] ⇐ الرّد على أهل الباطل الذين يَشتمون السيدة عائشة أُمّ المُؤمنين ، و إثبات أن حادثة الإِفْك هي دليل على صِدق النُّبُوّة :
– كانت السيدة عائشة زوجة النبي صلّى الله عليه وسلّم مُسافِرة معه في إحدى الغزَوات ، و في أثناء رُجوع الجيش مِن الغزوة كان أحد الصحابة ( صفوان بن المُعطّل ) يَسِير وراء الجيش بمسافة طويلة ، و قام الجيش بأخْذ استراحة في الطريق ، و ذهبَت السيدة عائشة لقضاء الحاجة في الخَلاء ، و عندما رجعَت إلى هوْدجها اكتشفَت أن العِقد الذي كانت تَلبسه قد ضاع منها ، فخرجَت مِن الهوِدج لِكَي تَبحث عنه ، ثم صدَر أمْر بتحَرُّك الجيش ، فقام المسلمون برفْع الهودج على الجَمَل و هُم يَظُنّون أن السيدة عائشة داخل الهودج ، و لم يَستغرِبوا أنّ الهودج خفيف لأن السيدة عائشة بالفِعل كانت في بداية شبابها و كان وزْنها خفيف جداً وقتها .
و عندما وجدَت العِقد و رجعَت .. لم تَجد الجيش ، فظلَّت في مَكانها على أساس أن المسلمين سيَكتشِفون غيابها و يَرجعوا إلى نَفْس المكان ليأخذوها مرّة أُخرى .
وبينما هي مُنتظِرة إِذْ غَلَبَها النّوم فنامَت .
و عندما وصَل سيدنا صفوان إلى هذا المكان ، رأَى السيدة عائشة و كانت نائمة فقال ( إنا لله و إنا إليه راجِعون ) بصوت عالى حتى يَجعلها تَستيقظ ، و لم يَقُل لها أَيّ كلمة أُخرى ،، ثم أَناخ جَمَله و ركِبَت السيدة عائشة على الجَمَل ، و قام صفوان بالسّير على أقدامه يَقُود الجَمَل حتى أَوْصَلها إلى الجيش .
واستغَلَّ المنافقون هذا الموقف واتّهَمُوا السيدة عائشة في عِرضها ،، و قام بعض الصحابة بنشْر خبَر بأن المنافقين يَتّهمون السيدة عائشة ، يعني هؤلاء الصحابة لم يَتّهموا السيدة عائشة ، ولم يرموها بالفاحشة، لكن المشكلة أنهم لم يَكن عندهم حُسن تقدير للموقف ، و بذلك ساعَدوا في نشْر الإِتّهام بدون قصد .
و عندما عرِف النبي بكلام المنافقين ..حزِن حُزناً شديداً .
و لاحِظ أن سيدنا محمد هو نبي و قاضِي و زوج في نَفْس الوقت ،، ولا يَستطيع أن يقول رأْيه كَنبِي إلا بعد الوَحي مِن الله ،، و لا يستطيع أن يقول رأيه كقاضِي إلا بعد تحقيق كامل و سمَاع شهادة الشهود ، لأن القاضي لا يَصِحّ أن يَحكُم بِعِلْمه الشخصِي ، بل لابد أن يُصدِر الحُكْم بناءاً على وُجود أَدِلّة حتى تتحقق العدالة لكل المُتّهمين .
لذلك في البداية قال النبي رأيه كزَوْج فقط ، و أخبَر الناس أنه لم يَرَى مِن السيدة عائشة أو صفوان أيّ شيء مُريب .
ولكن المنافقين استمَرّوا في الإتهام ، و لم يَنْزل وحيٌ مِن الله بخصوص تلك الحادثة في هذا الوقت ،، لذلك بدأ النبي يتصرف كقاضي ، و أَعطَى الحُرّية لِأيّ شخص لِتقديم دليل على اتّهام السيدة عائشة ، ولكن مرَّت الأيام بدون أن يَجد أيّ شخص دليل واحد ضد السيدة عائشة .
و لِكَي تَكْتمِل التحريات .. قام النبي بسؤال أهل بَيته ، فرُبّما يَعلَمُون شيء ضد السيدة عائشة ، ولكنهم قالوا جميعاً أنهم لم يَروا أيّ تصرُّف مُريب مِن السيدة عائشة ، حتى أَنّ الجارية المُرافِقة لِعائشة قالت أن عَيب عائشة الوحيد هو نوْمها أثناء حِراسة العَجين مِمّا يُؤدِّي إلى أَكْلِه بواسطة الداجِن في البيت ، وهذا العَيب في حَدّ ذاته يؤكد أن السيدة عائشة تَتصرّف بسلامة نِيّة و عَفَوِيّة على عَكْس النساء الفاجِرات .
وأيضاً سيدنا ( علِي بن أبي طالب ) لم يَذكُر شيء ضد السيدة عائشة ، ولكنه نصَح النبي بتطليق السيدة عائشة ، لأن الوَحي تأَخّر و هو يَخشَى أن يَستغِل المنافقون هذه الحادثة ضد الإسلام نَفْسه و يَفتِنوا بعض المسلمين ،، لكن النبي رفَض تطليق السيدة عائشة .
و خِلال كل تلك الفترة كانت السيدة عائشة غافلة عمّا يَدُور حولَها ، لأن أَباها و أُمّها رفضوا إِخبارها بكلام المنافقين خوْفاً عليها مِن الصدمة ، ثم علِمَت عائشة بهذا الإتهام بالصُّدفة ، و بكَت بُكاءاً شديداً .
ثم قام النبي بِعَمَل آخِر خطوة في التحريات قبل أن يُصدر حُكمه كقاضِي و سأَل السيدة عائشة نَفْسها ، و أَعطاها الأمان لِتقول الحقيقة ، و أخبَرها أنها لو فعلاً أَذنبَت فيَجِب أن تَعترِف و تَتُوب إلى الله ، و أَنّ الله يَغفِر الذنوب ،، و هنا لم تَتحمّل السيدة عائشة أن يقول لها زوجها هذا الكلام ، و أخَذَت على خاطرها مِن النبي ، و قالت له ( أنت تُصدِّق كلام الناس ) و لم تَقصد فعلاً اتهامه بتصديق كلام الناس ، بل أرادت أن تَكْسب تَعاطُفه و كانت تَتعشّم فيه أن يُصدِر الحُكْم بِبرائتها في الحال لأنه أكثر شخص يَعرِف حقيقتها .
و النبي نَفْسه كان يتألم أكثر مِن السيدة عائشة ، لكن يجب أن يُدارِي مَشاعِره كزوج و يتصرف كقاضِي ،، و هي لم تتحمل هذا التصرُّف .
– و بعد اكتِمال التحريات و سماع الشهود كان النبي يستعد لإصدار حُكْم ببراءة السيدة عائشة ، لكن الله أراد أن يُصدر الحكم بِنَفْسه تَعوِيضاً للسيدة عائشة عن هذا الإبتلاء و مكافأة لها عن صبرِها .
– و نزَل القرأن يُبرّيء السيدة عائشة ( وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) ، و أخبَرَنا القرأن أن هذا الإتهام هو إِفْك يعني كَذِب .
– و أراد الله أن يُطَمْئِن سيدنا ( علِي ) و المسلمين ( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) يعني هذه الحادثة لن تَضر الإسلام ، بل سوف تُفِيد الإسلام ، لأنها كشفَت المنافقين وفضحَت نِيّتهم السّيّئة .
– و قال الله أن الذين نَشَروا الخبر بدون اتهام هُم بعض الصحابة ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) و هؤلاء لا يَستحقون جهنم ، وليسوا فاسقين ، لأنهم لم يرموا السيدة عائشة بالفاحشة ،، لكن يَتِم عِقابهم في الدنيا بالجَلْد حتى يَأخذوا حذَرهم بعد ذلك ، لأن هناك أشخاص مِن طبيعتهم نشْر الأخبار و يَظنوا أنهم بذلك يُفيدوا الناس ،، لكن الله أراد أن يُعَلّمهم أن هناك أخبار قد تُؤدِّي إلى ظُلم شخص مُعَيّن ، ولذلك أَنزَل الله الحَدّ على قذْف المُحصَنات بغير دليل .
– أما المنافق ( ابن سَلُول ) الذي اتّهَم السيدة عائشة ورماها بالفاحشة فهو فاسق وعِقابه جهنم ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
– و ( الله ) أخَّر الوَحي لِكَي يَحُثّ المسلمين على تكذيب المنافقين بسرعة بدون انتظار الوحى ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ) ، لأن المُضِلّين موجودون في كل زمان ، و بعد وفاة النبي سيَنقطِع الوَحي ، لذلك يجب على المسلمين عدم التأثُّر بكلام أهل الفِتَن ، حتى لو لم يَنزل وحي مِن الله .
– ويجب علينا نشْر براءة الشخص الذي ثبتَت براءته ( رَدّ الإِعتبار ) ، لكن لا يجب علينا أن نتكلم في الأعراض بدون دليل ( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) .
– و لو كان النبي يَخترع القرأن من نَفْسه ، فكان سيَخترِع آيات البراءة في الحال ، و كان الموضوع سيَنتهِي في الحال حتى لو كانت السيدة عائشة مُذْنِبة فعلاً ، و بذلك يُحافظ على سُمْعته أَمام الناس ،، لكن النبي صبَر وقتاً طويلاً و عرَّض سُمْعته للخطر لأنه بكل بساطة يَنتظر القرأن مِن الله ولا يَخترعه مِن نفْسه ،، وهذا أكبر دليل على صِدق النُّبُوّة .
– و النبي يتصرف كقاضي مع أيّ امرأة تَتعرض لهذا الموقف ، ولا يُجامِل أيّ امرأة حتى لو كانت زوجته ، وهذا مُنتهَى العدالة و المُساواة .
يعني النبي كان متأكد تماماً أن السيدة عائشة بَريئة ، ومع ذلك قام بأخْذ جميع الإجراءات التي يجب أن يَتخذها أي قاضي قبل الحُكم بالبراءة .
– و يَزعُم الأغبياء أن الناس كان لدَيهم دليل ضد عائشة و لم يُقدّموه لأنهم خائفون مِن النبي ،، و لو كان النبي فعلاً يَقُوم بتخويف الناس .. لَمَا تَكلَّم الناس أصلاً في هذا الموضوع .
– و القرأن يَنهَى عن اتهام الناس في أعراضهم بدون دليل ، لأن مُجرّد الإتهام في حَدّ ذاته يَضر بسُمعة الشخص أمام الناس ( لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ، يعني لا يجب أن نتَسرّع في الإتهام لِمُجرّد الشّكّ في تصرُّف الشخص ، فقد يكُون تصرُّف الشخص سبَبُه حالة طارئة و ليس شيء مُريب .
و جميع الناس مُعرَّضُون لحالات طارئة ، فهناك مثلاً أطباء كثيرون يَدخُلون بُيوتاً بها نساء فقط ليَقوموا بِعِلاجهن ، و هذا لا يَعني أن نتّهم هؤلاء النساء بالخطيئة لمجرد وجود شخص غريب في بُيوتهن .
– يعني المفروض إذا كان لدَينا دليل قاطع ضد شخص مُعَيّن ، فساعتها يحق لنا أن نتّهمه بالخطيئة ،، لكن إذا كان لدَينا مجرد شَكّ ، فساعتها نَسأل عن سُمعة الشخص و سُلُوكه بين الناس ، وإذا وجَدنا سُمعته حسَنة ، فيجب أن نُحسِن الظن به و نتوَقّف عن الشّكّ فيه .
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )