[ الرَّد على المجموعة الثانية من الشُّبهات ] ⇐ الرّد على شُبهة آية ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) ،، وجُملة ( تِلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن تُرتجى ) :
* القرأن يقول ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ،، يعني عندما كان النبي – صلّى الله عليه وسلّم – يقرأ القرأن أمام الناس في مكة ، كان كفار قريش يبدأون في اللغو لِكَي يجعلوا كلام النبي غير واضح أمام الناس ، يعني كان هؤلاء الكفار يقومون بالتصفيق والصياح بجوار النبي ، وكانوا ينطقون بكلمات تشبه كلمات القرأن بهدف السخرية والتشويش على كلام النبي ،، ولذلك كان الناس أحياناً يجدون صعوبة في سماع كلمات النبي بشكل صحيح ،، يعني كان النبي ينطق كلمات صحيحة ، ولكنها كانت تصل إلى الناس مع الكلمات الخاطئة التي ينطقها الكفار في نفس الوقت ، فيحدث تشويش و ( لخبطة ) عند الناس ، لأنهم لا يستطيعون التركيز في كلمات النبي ،، وهنا نلاحظ أن الناس يسمعون في نفس اللحظة كلمات صحيحة من النبي ، وكلمات خاطئة ( مُفبرَكة ) من الكفار .
وكان الحل الوحيد لهذه المشكلة هو أن يستمع الناس إلى النبي بعد انصراف الكفار ، وساعتها كان النبي يوضح للناس الفرق بين الكلمات الصحيحة التي قالها هو ، وبين الكلمات الخاطئة المفبركة التي قالها الكفار ،، يعني كان يتم إثبات الكلمات الصحيحة التي نطقها النبي ، ويتم نسخ ( إلغاء ) الكلمات الخاطئة التي نطقها الكفار ،، ونلاحظ أن النسخ هنا مقصود به ( الإلغاء ) .
– وأحياناً كان النبي يقرأ القرأن أمام الكفار والمسلمين في مكة ، فينطق الشيطان كلمات خاطئة في نفس الوقت ، فيظن الناس أن النبي هو الذي نطق تلك الكلمات الخاطئة ، لأنهم يسمعون كلمات الشيطان بدون أن يشاهدوه ،، لكن جبريل كان ينزل على النبي ليخبره بالكلمات الخاطئة التي نطقها الشيطان ، وساعتها كان النبي يوضح للناس الفرق بين الكلمات الصحيحة التي قالها هو ، وبين الكلمات الخاطئة المفبركة التي قالها الشيطان ،، يعني كان يتم إثبات الكلمات الصحيحة التي قالها النبي ، ويتم نسخ ( يعني إلغاء ) الكلمات الخاطئة التي قالها الشيطان ،، تماماً مثلما حدث مع الكفار .
– وذات مرة أراد الشيطان أن يسبب فتنة عند الناس ، ولذلك عندما كان النبي يقرأ في مكة سورة النجم ، ووصل إلى آية ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (20) ) ،، فإن الشيطان نَطق وقال ( تِلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن تُرتجى ) ،، فظن الكفار أن النبي هو الذي نطق تلك الجملة ، ثم بعد أن وصل النبي إلى آية ( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩ (62) ) ،، فإن النبي سجد ، وسجد معه المسلمون ، وسجد كذلك الكفار الذين ظنوا أن النبي يمدح أصنامهم .
لكن الله أرسل جبريل مرة أخرى إلى النبي ليخبره بأن الله يأمره أن يوضح للناس الفرق بين كلمات القرأن الصحيحة ، وبين الكلمات التي نطقها الشيطان .
– وهنا نلاحظ أن علماء التفسير الكبار مثل الطبري والقرطبي وابن كثير عندما يقوموا بتفسير أي آية في القرأن ، فإنهم في البداية يذكرون جميع الروايات التي يتناقلها الناس ، سواء كانت روايات صحيحة أو كاذبة ، ثم بعد ذلك يقول هؤلاء العلماء رأيهم الشخصي في تلك الروايات ، ولكن مع ذلك فإنهم لا يجزمون بصحة رأيهم ، لأنهم يعلمون أن الرأي النهائي يكون لعلماء الحديث الذين يستطيعون توضيح الفرق بين الحديث الصحيح وبين الحديث الضعيف أو الموضوع .
ويجب أن تعرف الفرق بين علماء التفسير وعلماء السيرة وعلماء الحديث ،، فإن علماء التفسير وعلماء السيرة وظيفتهم تسجيل كل القصص والروايات التي يتناقلها الناس بدون أن يحذفوا أي شيء من تلك القصص والروايات ، وهذا يدل على الأمانة العلمية ، حتى لا يقال أن الإسلام يحتوي على أسرار مثل بقية الأديان الأخرى .
ولو قام علماء التفسير وعلماء السيرة بحذف بعض الروايات ، فربما يحذفون بعض الروايات الصحيحة بدون قصد ، وهذا قد يؤدي إلى نقص في معرفة حقيقة الإسلام ، ونحن نريد معرفة حقيقة الإسلام بدون زيادة أو نقصان ،، ولذلك يقوم علماء التفسير وعلماء السيرة بتسجيل كل الروايات لكي يمنعوا النقص في معرفة تاريخ الإسلام ،، ثم بعد ذلك يقوم علماء الحديث باستبعاد الروايات الضعيفة والموضوعة لكي يمنعوا الزيادات الكاذبة في تاريخ الإسلام ،، وبذلك نضمن أن نعرف حقيقة الإسلام بلا زيادة أو نقصان .
– القرأن يقول ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ،، وهناك يجب أن نعرف أن كلمة ( يتَمَنَّىٰ ) في اللغة العربية لها أكثر من معنى ، فأحياناً تعني ( يرغب ) وأحياناً تعني ( يقرأ ) ، مثل قول الشاعر عندما وصَف مقتل سيدنا عثمان بن عفان أثناء قراءة المصحف :
تَمنَّى كتاب الله أول ليلة
وآخرُها لاقَى حِمام المَقادر
يعني عثمان قرأ كتاب الله في أول الليل ، ثم واجه الموت في آخِر الليل .
،، وأحياناً الآية الواحدة في القرأن يكون لها معاني كثيرة ومختلفة ، ولكن كلها معاني مقصودة وصحيحة وليست متناقضة ، بل متكاملة .
– ولذلك فإن الآية قد تعني أن النبي يرغب في نشر الإسلام ، لكن الشيطان ينطق بعض الكلمات الخاطئة لِكي يُشوّش على كلام النبي ،، ولذلك فإن الله ينسخ ( يلغي ) كلمات الشيطان ، ويثبت كلمات القرأن .
– وهناك تفسير أخر للآية ، فقد تعني أن النبي إذا قرأ القرأن ، فإن الشيطان ينطق بعض الكلمات الخاطئة لِكي يُشوّش على كلام النبي ،، ونلاحظ أن هذا التفسير يتكامل مع التفسير السابق ولا يناقضه .
– الملحدون الأغبياء يريدون أن يستغلوا هذه الآية ليزعموا أن النبي هو الذي نطق جملة ( تِلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن تُرتجى ) ،، ويستدلوا على ذلك بالروايات التي يذكرها المفسرون ،، مع أن هؤلاء المفسرين أنفسهم لا يعترفون بصحة كل تلك الروايات ، ولكنهم سجلوها على سبيل الأمانة العلمية في نقل جميع الروايات المنتشرة بين الناس .
وسوف أذكر مثال واحد على ذلك :
الملحد يذكر أن القرطبي قال ( روى الليث ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : قرأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والنجم إذا هوى ، فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى سَها ( نَسِيَ ) فقال : ( إن شفاعتهم ترتجى ) ، فَلَقِيَهُ المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلَّموا عليه وفرِحوا ) ،، وفعلاً القرطبي سجّل هذه الرواية ،، لكن الملحد الغبي المخادع لن يخبرك أن القرطبي نفسه يعترض على تلك الرواية التي تزعم أن النبي هو ناطق جملة ( إن شفاعتهم ترتجى ) ،، بدليل أن القرطبي يقول في بقية تفسير الآية ( والذي يظهر ويترجح في تأويله على تسليمه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان كما أمَره ربه يرتل القرآن ترتيلا ، ويفصل الآي تفصيلا في قراءته ؛ كما رواه الثقات عنه ، فيمكن ترصُّد الشيطان لِتلك السكَنات ودَسُّه فيها ما اختَلقَه من تلك الكلمات ، مُحاكِياً نغمة النبي – صلى الله عليه وسلم – بحيث يسمعه مَن دَنَا إليه من الكفار ، فظنوها من قول النبي – صلى الله عليه وسلم – وأشاعوها . ولم يَقدح ذلك عند المسلمين لِحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلَها الله ، وتحقُّقِهم مِن حال النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذَمّ الأوثان وعيبها ما عُرِف منه ؛ فيكون ما رُوي مِن حُزن النبي – صلى الله عليه وسلم – لهذه الإشاعة والشُّبهة وسبب هذه الفتنة ،…. ) ،، يعني القرطبي يقول أن الشيطان هو الذي يترصد وينطق الكلمات الخاطئة ، وليس النبي هو الذي نطقها .
– ولذلك فإن الملحدين يذكرون لنا بعض الجُمل من كلام المفسرين ، لِكي يخدعونا ، لكننا عندما نبحث بأنفسنا ونقرأ كلام المفسرين بالكامل فإننا سنعرف الرأي الحقيقي للمفسرين .
* سؤال : لماذا يسمح الله لشياطين الإنس والجن أن يخترعوا كلمات خاطئة تسبب سوء الفهم عند الناس ؟
* الجواب : القرأن نفسه أجاب على هذا السؤال ، حيث يقول القرأن ( لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) ) ،، يعني الله يريد أن يفضح المنافقين ، لأن المنافق هو شخص يخادع الناس ويزعم أنه مسلم ، بينما في الحقيقة هو كافر ، فأراد الله أن يكشف المنافقين أمام الناس حتى لا ينخدع الناس بهم ،، ولذلك فإن الله يستدرج المنافقين عن طريق الفتنة التي تفضحهم ، بحيث يقول المنافقون أن النبي هو الذي نطق جملة الغرانيق ، لكن المؤمنون لن يُصدقوا ذلك ، لأن المؤمنين يعلمون أن النبي دائماً يعيب على الأصنام ومستحيل أن يمدح الأصنام أبداً .
ونلاحظ أن هذا هو الذي يحدث الآن بالضبط ، فإن بعض الأشخاص اليوم يريدون أن يعيشوا الحياة على مزاجهم ويفعلوا جميع الفواحش التي يُحرّمها الإسلام ، ولذلك هم يستغلون أي فتنة لِكي يتركوا الإسلام ويتجهوا نحو الإلحاد ، يعني مثلاً يزعمون أن النبي هو الذي نطق جملة الغرانيق ، لِكي يزعموا أن الإسلام دين باطل ،، وبذلك يجدوا الذريعة لِكي يتركوا الإسلام ،، لكن هؤلاء الملحدين الأغبياء لا يخدعون إلا أنفسهم بهذه الذريعة الكاذبة ، فإن الإسلام هو الدين الحق ، ولو كرِه الكافرون .
وأحياناً فإن الشيطان يسكن داخل شجرة أو صنم ، ويكلم الناس ، ويظن الناس أن تلك الشجرة أو ذلك الصنم هو إله ، فيعبدوه ،، ولكن هؤلاء الناس ليسوا معذورين ، لأن الله أعطاهم عقل ، والعقل يقول أن الإله مستحيل يكون له مكان محدود ، يعني مستحيل أن يتجسد الإله على هيئة شجرة أو صنم أو أي شيء محدود ،، فإن الإله الحق له ذات غير محدودة ، ولذلك فإن الله موجود بلا مكان .
ولقد أصدر النبي أوامره إلى خالد بن الوليد بأن يهدم صنم ( العُزَّى ) ، وفعلاً ذهب خالد إلى ذلك الصنم وهدمه ، ثم رجع إلى النبي ، فسأله النبي إذا كان قد رأى شيئاً غريباً في الصنم ، لكن خالد قال أنه لم يرى أي شيء غريب ، ولذلك أمره النبي أن يذهب مرّة أخرى عند مكان الصنم ، وفعلاً ذهب خالد ورأى امرأة سوداء تخرج من حجارة الصنم وجسمها يغطيه الشعر بدون ملابس ، وكانت تصيح وتُوَلوِل ،، فعرف خالد أنها الشيطانة التي تسكن في الصنم ، ولذلك ضربها بالسيف ، وقطعها إلى نصفين .
والقرأن يقول في سورة العنكبوت ( الٓمٓ (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) )
ويقول في سورة الأنفال ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) ) .
ويقول في سورة البقرة ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ )
– انظر ⇐ [ الرّد على شُبهة سؤال الله للمخلوق مع أن الله يَعلم الإجابة ]
* ( ملحوظة : قد يتم كتابة كلام إضافي إلى المقالة قريباً لزيادة الشرح أكثر )